بينما كانت قسنطينة "عاصمة الثقافة العربيّة" تتهيّأ لاحتضان أمسية خاصّة بالشعر المغربي كنوع من مدّ جسور التواصل الثقافي بين البلدين الذين فرّقتهما السياسة، كانت مواقع التواصل الاجتماعي تشهد "معركة" من نوع خاص، أشعلتها آراء الكاتب المغربي بالفرنسية الطاهر بن جلّون، اعتُبرت مسيئة إلى الجزائر.
في مقال له، صدر أمس الثلاثاء على موقع "360" المغربي بعنوان "الجزائر والمغرب: الخسارة الكبرى"، استعرض بن جلّون تاريخ الخلافات السياسيّة بين البلدين، متبنياً وجهة النظر المغربية الرسمية وواصفاً الجزائر بـ "الجار السيء الذي يتسبّب منذ استقلاله بالمشاكل للمغرب".
انتقد صاحب "تلك العتمة الباهرة" رفض الجزائر إعادة فتح الحدود مع المغرب، الذي أغلقها عام 1994، بعد حدوث تفجير استهدف فندقاً في مدينة مرّاكش، محمّلاً الجزائر مسؤولية تعثّر قيام مغرب عربي موحّد على شاكلة الاتّحاد الأوروبي، بسبب دعمها لـ "جبهة البوليزاريو".
في حين أثنى الكاتب المغربي على الإصلاحات السياسية في بلاده، وعلى نموّها الاقتصادي؛ وظّف اقتباساتٍ لوصف الجزائر، فهي برأيه "أمّة في غيبوبة، كما عنونت إحدى الصحف"، واستعار من الروائي الجزائري كمال داود تعبيرات مثل: "كوريا الشمالية - الأفريقية.. وبلدٌ غير مرئي يعيش ديمقراطية شكلية ودكتاتورية حقيقية"، متجاهلاً أن داود كتبها في سياق نقد ذاتي وهو ما لا يمارسه بن جلّون.
وبلغة قريبة من التهكّم، "يستفيد" بن جلّون من "توقعات" بوعلام صنصال في رواية لم تصدر بعد، مستوحاة من عمل جورج أورويل الشهير، بعنوان "2048"، يتنبّأ فيها صنصنال بجزائر خربة ومدمّرة بفعل ما وصفه بالإيديولوجيا الإسلامية المتطرّفة، قائلاً - أي بن جلّون- أنها ستكون روايته المفضّلة خلال هذه السنة. دون أن يوضح إن كان الإعجاب بالرواية أم بمضمونها المفصل على مقاس الإسلامفوبيا.
ليست المرّة الأولى التي يُعلن فيها بن جلّون عن آراء من هذا النوع، فقد اعتاد في تصريحاته ومقالاته وحواراته الصحافية انتقاد الجزائر، مقترباً دائماً من الموقف الرسمي للنظام المغربي. في كتابه "الشرارة" (غاليمار 2011)، تحدّث عن "حقد جزائري" حيال المغرب، مذكّراً بالدعم المغربي للجزائر أثناء الاستعمار. أيضاً، "توقّع" في الكتاب اندلاع حرب أهلية طويلة وقاسية وأكثر عنفاً ممّا عاشته الجزائر سنوات التسعينيات.
علّق الكاتب الصحافي سليم بوفنداسة في صفحته الشخصية على "فيسبوك" قائلاً "يبدو أنه كتب المقال تحت الطلب، وهو يتقن ذلك في الأدب وغيره"، في إشارة إلى أن آراء الكاتب المغربي تنطبق تماماً مع وجهة النظر الرسمية المغربية، في ظلّ العلاقات المتأزّمة بين البلدين.
ووصف الناقد بوعلام دلباني مقال بن جلّون بأنه "خطاب شعبوي متحامل ويتبنّى بصورة شبه حرفية المواقف الرسمية للسلطة المغربية إزاء الجزائر"، مضيفاً "كنا ننتظر أن يكون خطابه أكثر التزاماً بالخط النقدي الذي يميّز المثقف الفعلي، عوض هذه العريضة التي كتبها دفاعاً عن "المخزن". لقد انقطعت الشعرة التي تفصل بين المثقّف والموظّف عند الطاهر بن جلون".