شاعر يواجه هذه المعضلة الفنية: كيف تكتب عن الخسارة، من دون أن تبدو عاطفياً؟
فالموضوع، ليس أن يكتب عن خسارته الشخصية، لأنَّ هذه، مهما كبرت، تبقى جزءاً صغيراً من مأساة بلده المسروق والمغتال والمغيَّب والممحو. بلده المحتلّ من قبل أشرس عدوٍّ استيطاني إحلالي في العصر الحديث.
"لا تُسرِف في العاطفة، لئلّا يفسد الشعر"، يقول لحاله، وهو يعرف أنَّ هذا صحيح، ولكنّه خارج الإمكان والقدرة. لا تُسرِف في العاطفة، لأن الشعر خاصة، والفن عامة، لا يحتمل السنتمنتاليّات. حسناً، فإذا لم يستطع المرء تطبيق ذلك، ماذا يفعل؟
أيعتزل ويختفي، خصوصاً أن أحداً لن ينتبه لاختفائه، في عالم يضج بمئات الشعراء، وملايين الكتب؟ أظنّها طريقة معقولة ومقبولة وممكنة أيضاً. ولقد يستطيع بعدها أن يكتب فيُغْرِق ويوغل في العاطفة، فماذا عليه؟ ألا يكتب الآن لنفسه، ولبعض معارفه فقط، دونما أي تفكير في نشر وطباعة؟ من قال إن الخسارات تُستدعى، رغم مثولها الأزلي، من مناطق جافّة عاطفياً، ومضبوطة بدقة؟ هذه أوّل مرّة أكره فيها مواضعات وقوانين الأدب.
أيتها الخسارات، يا رفيقة الصحو والمنام، اكتبي نفسك بحبر أبيض، ولا تخجلي.
أيتها الخسارات، هل تخجلين من نفسك وأنت قدرهم المقدور ومكان إقامتك فوق حجابهم الحاجز، دائماً وأبداً؟
أيتها الخسارات، هل ثمّة غيرك لكائن يبدأ في الموت منذ أن يلقط أولَ نَفَس؟
* شاعر فلسطيني مقيم في برشلونة