عندما تنعطف إلى شارع عبدالحميد سعيد بوسط القاهرة محاولاً التسرية عن نفسك في ظل الركود العام بقطع تذكرة في "سينما أوديون" لن تتخيل أنك ستمر بتجربة فريدة من نوعها. سيواجهك ملصق دائم بين الملصقات الثلاثة المتغيرة للافتة السينما، التي اختيرت كي تكون المقر الدائم "الأول" لسينما زاوية.
تقوم مبادرة "زاوية" على عرض أفلام لا تعرض عادة في دور السينما، كما يقول الملصق التعريفي. وفي هذا السياق، نشاهد عند المدخل الجانبي لسينما "أوديون" ملصقات لأفلام من مختلف أنحاء العالم، فيتبيّن لنا أنه بإمكاننا مشاهدة فيلم فلسطيني أو سوري على شاشة لطالما كانت حكراً على أفلام شركة "السبكي" مثلاً أو آخر ما أنتجته هوليوود.
ترعى المبادرة شركة "أفلام مصر العالمية" التي أسسها المخرج الراحل يوسف شاهين، عبر علاقاتها الجيدة في أوروبا، كونها الشركة المصرية الوحيدة الحاصلة على جائزة مهرجان "كان". وقد استطاعت أن تحقق انجازاً لافتاً في هذا المجال بعروض "بانوراما الفيلم الأوروبي" التي تعتبر الفرصة الوحيدة ـ بعد عروض مهرجان القاهرة السينمائي ـ لحضور عروض سينمائية مختلفة (تتضمن الوثائقي والروائي القصير) في صالات العرض التجارية في القاهرة.
تشكّل "سينما زاوية" استمراراً لنجاح "بانوراما الفيلم الأوروبي". وبدلاً من أن تجري العروض في صالات "جالاكسي" و"سيتي ستارز" و"بلازا" التي تديرها شركة "أفلام مصر العالمية"، وتدوم عشرة أيام حدّاً أقصى؛ تعاونت الشركة المذكورة مع شركة "نيوسينتشري" التي تملك سينما "أوديون" لعرض هذا النوع من الأفلام طوال العام على واحدة من شاشاتها الثلاث؛ وذلك نظراً إلى موقع السينما المتميز في وسط المدينة، حيث تتركز الأنشطة الثقافية وأوساطها التي يستهدفها هذا المشروع أولاً.
"لسنا مشروعاً ثقافياً فقط" يقول مدير "سينما زاوية"، الشاب يوسف الشاذلي: "الهدف الأساسي للمشروع هو أن ننقل الأفلام المستقلة التي تعرض لمرة واحدة في مركز ثقافي ما إلى صالات السينما التجارية"، ما يقدم دعماً لمخرجي هذا النوع من الأفلام ومساهمة في جعل إنتاجهم جزءاً من السوق.
ولمّح الشاذلي إلى أن التمويل الذي يتلقاه المشروع قد لا يستمر طويلاً، وإلى أن استهداف جمهور "وسط البلد" هو بداية فقط لنشر هذا النوع من الإنتاج السينمائي وسط قطاعات أوسع. وبالتالي، فإن "سينما زاوية" مرشّحة في نظره للانتشار في مدن أخرى غير القاهرة، خصوصاً بعد أن فاقت نسبة حضور العروض التوقعات، لتصل أحياناً إلى 200 مشاهد يومياً.
من جهتها، أشارت المسؤولة عن عروض الأفلام خارج البرنامج الأسبوعي، المخرجة عالية أيمن، إلى أنها ضد فكرة الثقافة الموحدة ومع تقديم خيارات سينمائية أكبر: "نحن نسعى لخلق مساحة للبديل لكننا لا نريد أن تكون "زاوية" مشروعاً نخبوياً مقتصراً على الفنانين والمثقفين". واعترضت المخرجة على مصطلح "السينما المستقلة" قائلةً: "الأدقّ أن نسميها بالسينما المختلفة أو البديلة" مشيرةً في هذا السياق إلى أن فيلم افتتاح السينما هو "وجدة" للمخرجة السعودية هيفاء المنصور (إنتاج روتانا).
إلى جانب عامل التمويل، تُعتبر الرقابة أهم التحديات أمام المشروع لأن "زاوية" لا تعرض أي أفلام "معدّلة" ولا تسمح بحذف مشاهد من هذه الأفلام لدى عرضها. إذ تلاحظ أيمن أن هنالك نمطاً جديداً من الرقابة الشعبية أضيف إلى الرقابة الرسمية، متوقفّةً عند مثال فيلم "حلاوة روح" (من بطولة اللبنانية هيفاء وهبي) الذي تم إيقاف عرضه بشكوى من مجلس الطفولة والأمومة.
"هنالك قطاعات شعبية تدعم الرقابة الفوقية، وأنا لا أرى أنها تكتسب أي شرعية. إذا كنت لا ترغب بمشاهدة الفيلم فلا تذهب!" ورغم اختلاف المخرجة مع منتج الفيلم محمد السبكي، إلا أنها مع حقه في إنتاج ما يرغب تحت بند "للكبار فقط". وفي هذا السياق تشير إلى أن "سينما زاوية" تؤمن بحرية الفنون التي تسمح بتقديم الأفلام من دون رقابة.
بعد مضي شهرين فقط على تأسيسها، تستضيف "سينما زواية" هذا الشهر "مهرجان قبيلة للأفلام القصيرة"، كما عرضت أربعة أفلام للمخرج السوري محمد ملص، بينها فيلمه الجديد "سلّم إلى دمشق"، لتثبت بذلك جدية أهدافها وسعيها لتأسيس "سينما للأفلام اللي ما بتشوفهاش في السينما".