"المسلمون والحداثة الأوروبية" كتاب الباحث الأكاديمي خالد زيادة، والذي صدر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، وفيه يدرس المؤلف علاقة العرب والمسلمين بأوروبا التي ترجع إلى بدايات القرن الثامن الميلادي، والتي انطبعت باللامبالاة في خلال حقبات طويلة، ثم تبدّلت في الحقبة المعاصرة؛ إذ أدّى التقدّم الأوروبي إلى انقلاب هذه اللامبالاة إلى إعجاب والأخذ بما أحرزته أوروبا في الأفكار والعلوم والتقنيات.
يجمع زيادة في كتابه، ثلاثة إصدارات سابقة له، وهي" اكتشاف التقدم الأوروبي"؛ و"تطور النظرة الإسلامية إلى أوروبا"؛ و"لم يعد لأوروبا ما تقدمه للعرب".
في "اكتشاف التقدم الأوروبي" يتناول الكاتب العلاقات التي مدها العثمانيون مع دول أوروبا وإماراتها، وإقامة سفارات أوروبية ثابتة في اسطنبول، وتلاحق زيارات السفراء العثمانيين إلى عواصم أوروبا، "ونتيجة لهذه الأجواء، صار الإسلام يثير حقداً أقل مما كان يثيره لدى الأوروبيين في السابق، في وقت أصبح التركي والمسلم صورتين لشيء واحد، بعد أن توارى العرب عن المسرح السياسي في حوض المتوسط".
كما يعرض لـ التفكير حول الانحطاط، فيتطرق إلى أفكار قوجي بيك، العضو في إدارة السلطان مراد الرابع، في تفسيره أسباب انحطاط الدولة العلية: غياب رقابة السلطان على الوزراء، وتسليم المناصب والمغانم لأفراد الحاشية، وعدم إخلاص الوزراء، وتخريب الإقطاعات العسكرية التي كانت تمد الدولة بالمال والقوة المقاتلة، والفساد الذي لحق برجال الدين والعلم.
مواضيع أخرى يتناولها هذا الكتاب في فصول متفرقة؛ من بينها محاولات الإصلاح، وتبدل أساليب الكتابة والتفكير، واللغة العالمية، وصراع المفاهيم، فتكلم على مفاهيم تقليدية مُنحت مضامين جديدة، منها مفاهيم "الوطن" و"الثورة" و"الإصلاح" و"الجمهورية" و"الحرية".
أما الكتاب الثاني، "تطور النظرة الاسلامية إلى أوروبا"، فيستعرض النظرة التقليدية إلى أوروبا، وتناول الجغرافيين والمؤرخين لأخبار عن أوروبا، وموقف الازدراء من شعوبها.
يتناول المؤلف المرحلة اللاحقة للحروب الصليبية حتى نهاية دولة المماليك في عام 1517، حين أصبحت المعلومات عن أوروبا أوسع وأكثر واقعية بفعل ازدهار التجارة.
يبحث زيادة في صورة أوروبا الليبرالية، في الحقبة الحديثة في القرن التاسع عشر، حيث تحوّل الازدراء إلى إعجاب، كما يعرض كيف بدت أوروبا في أعمال النهضويين أمثال الطهطاوي وخير الدين التونسي.
يقرأ الكاتب الاتجاهات الإصلاحية والليبرالية وغيرها في أوروبا، ويعرض لآراء عبد اللطيف الطيباوي وعبدالله العروي وهشام جعيط.
في الكتاب الثالث "لم يعد لأوروبا ما تقدمه للعرب"، يقول زيادة إن ليس ثمة شعب من شعوب العالم يملك هذا التاريخ المشترك مع أوروبا، مثل العرب والبربر والأتراك. فهذا تاريخ طويل يمتد أربعة عشر قرناً من الصراعات والتبادل والحروب المتنقلة من غرب المتوسط إلى شرقه، ومن عمق أوروبا إلى عمق العالمين العربي والإسلامي، إضافة إلى تبادل البضائع والأفكار والمؤثرات وانتقال الأفراد والجماعات عبر ضفتي المتوسط.
يقف زيادة عند تجارب التحديث على النمط الأوروبي من خلال تجربتي مصر والدولة العثمانية في القرن التاسع عشر، فيما يعرض في الفصل الثالث، النهضة، للأفكار التنويرية التي استفادها العرب من أوروبا بعد الثورة الفرنسية.
كما يرى المؤلف أن الإصلاحية ليست ردة فعل على التأثير الأوروبي فحسب، بل هي نتيجة لإدراك جديد للاسلام في ضوء علوم الجغرافيا والتاريخ.
يذهب زيادة أيضاً إلى دراسة التاريخ الثوري منذ الثورة الفرنسية وحتى المصرية عام 1919. ويتكلم زيادة مستفيضاً على نمو القيادات القومية والاشتراكية وأثرها خصوصًا في المشرق العربي، فيرى أن هذه الأيديولوجيات التي أخذت عن تيارات فكرية في أوروبا لم يعد لها تأثير، وبذلك فقدت أوروبا تأثيرها في العالم عموماً، وفي العرب خصوصاً.
يبحث المؤلف في اعتماد الدساتير في بعض الدول العربية، كمصر ولبنان، ثم في نهاية الحقبة الليبرالية التي أعقبتها فترة الأنظمة العسكرية. ويقارن أنظمة الحكم ذات المنبت العسكري بسيطرة المماليك في القرن الثامن عشر على أقاليم بعينها، مثل العراق وسورية ومصر وتونس.
يخصّص زيادة فصلاً من هذا الكتاب لدراسة الأصولية، وقراءة التيارات الدينية وأسباب بروزها، ونشوئها بوصفها ردة فعل على التحديث من جهة، وعلى الشعور بدور الإسلام في مجابهة الأيديولوجيات الحديثة.
أما في الخاتمة، فيقف على مشهد العالم العربي بعد 2011، ويصفه بالمشهد التأسيسي، مع تضارب الرؤى بين تفاؤل بالانتقال إلى الديمقراطية، وتشاؤم بانفجار الدول.