يرفض خالد السلطاني الفكرة الغربية القائلة بأن المنطقة العربية، وبالتالي عمارتها، تكوين لخليط بيزنطي وروماني وفارسي، في محاولة تجريد الحضارة العربية من قيمتها، ويأخذ من القوس المدبّب في الحمراء مثالاً على ذلك فيتساءل: "هل استطاع هؤلاء أن يجدوه في حضارة أخرى؟".
وبالرغم من أثر التأثر فيه، يجيب قاطعاً: "رغم كل ما قالوه يبقى الأمر الحاسم بأن كل ذلك العمران والحضارة جاءا بقرار أموي لمجتمعات كان فيها مسلمون وغير مسلمين، فربما يكون المعماري غير مسلم وعربي لكنه قرار عربي في النهاية".
يأخذ السلطاني على المستشرقين الغربيين تقليلهم من قيمة ما أنجزه العرب، فعمارتهم "تارة يعتبرونها ساسانية وتارة بيزنطية". يفسّر ذلك بـ "النزعة المركزية الأوروبية باعتبار أن الذائقة حكر عليهم، وعلى الجميع أن يتماهى معهم. تلك فكرة ظلت سائدة حتى جاءت فترة ما بعد الحداثة لتفكك تلك المفاهيم".
يدافع المعماري العراقي عن ذائقة عربية إسلامية، حتى لو أراد الغرب إنكارها لفترة زمنية، حيث يقدّم وجهة نظره: "لقد انقطعت تجربة بناء القصور والمعمار الروماني ستة قرون عن بداية التأسيس العمراني الأموي، وليس هناك من مشكلة في الحضارة أن يقوم العرب بإعادة جنس إبداعي، ولكن ليس تلقائياً بل بإضافات وتوظيفات فعالة".
حين جاء المسلمون، والأمويون تحديداً، لم يهدموا ما سبقهم من حضارة ومعابد وقصور وممالك، مثل تدمر وبصرى، بل استوعبوا الحرفيين والمهندسين والفنيين وأصحاب الكفاءات، وبقي هؤلاء يعملون وفق القرار الذي كان بيد المسلمين الأمويين حينذاك، ومنهم من لم يُسلموا.
وهذا يشير إلى أي حد لم يكن الأوائل متشنّجين في تأويل علاقتهم بالآخر، فأفسحوا المجال لظهور ذائقة خصّصت للفنون والموسيقى أمكنتها في ذلك المعمار المدني.
إن القصور الأموية التي يعرضها السلطاني قائمة وليست اختراعاً أو تصوّراً كما هو الحال مع عدّة نماذج معمارية اختفت مع الزمن، وهي شواهد على التطوير الفني وليست مجرد تقليد لشيء سابق، كما يزعم الأوروبيون لفرض مركزيتهم، ففي غرفة الديوان لقصر هشام، مثل حمّامه الكبير، لوحات فسيفسائية عن السلام والحرب برسوم للغزلان مع شجرة الحياة وهي في ديوان الخليفة. أضف إلى ذلك تلك المنحوتات لصور نساء ورجال في قصور الأمويين.
يقول السلطاني في نهاية كتابه، إن "القصور المتنوّعة، مثل مختبر واقعي، لتجريب أنواع مختلفة من الأساليب الفنية، التي ازدهرت توظيفاتها" في العصر الأموي، حين كانت الحضارة العربية على بعد خطوة من عصرها الذهبي.
اقرأ أيضاً: محمد مكيّة.. 100 عام من العمارة العراقية