تأسّست الدوحة في أواخر القرن التاسع عشر على أنقاض بلدة قديمة كانت تُسمى "البِدع"، وبدأت تتطّور لتصبح الحاضرة الأهم في قطر، بعد أن ظلّت مدينة الزبارة إحدى أبرز المراكز التجارية في الخليج العربي خلال القرن الثامن عشر.
قبل اكتشاف النفط، احتضنت المدينة العديد من المعالم في مناطق مثل الرميلة والبدع والجسرة ومشيرب والنجاد؛ حيث بُنيت معالم عديدة كقلعة العسكر، وجامع الشيوخ الذي تأسس في الربع الأول من القرن الماضي واتخذ طراز المساجد العثمانية، وقلعة الكوت، ومتحف التقاليد الشعبية الذي أقيم على بيت تراثي تأسّس عام 1920، إضافة إلى القصر التاريخي للشيخ عبد الله بن جاسم آل ثاني (1880 - 1957).
"نَهْضَةُ الدَّوْحَة: 1950 – 2030" عنوان أولى المعارض الذي افتتح في "متحف قطر الوطني" في الثامن والعشرين من الشهر الماضي ويتواصل حتى الثلاثين من آب/ أغسطس المقبل، والذي وضع رؤيته القيّمون، المعماريان الهولنديان رِم كولهاوس وسمير بانتال، والقطرية فاطمة السهلاوي من "مكتبة أطلس".
يُسلِّط المعرض الضوء على مسارات التطور العمراني للمدينة، وليس على مجرّد الشكل النهائي الذي أخذته، ومن أجل هذه الغاية وبالاستعانة بصور فوتوغرافية أرشيفية ونماذج لمشاريع وأفلام ومقابلات، يُقدِّم نظرة شاملة لتطوّر العاصمة القطرية على مدى سبعين عاماً.
ويتناول المعرض كيفية بناء الدوحة وأثر بنائها في القواعد الهندسية العالمية، وذلك عبر قصة مكونة من أربعة فصول رئيسة: هي: "بذور الأمة: 1950-1971" و"الدولة الحديثة: 1971-1995" و"العالم: 1995-2010" و"قطر المقصَد: 2010-2030".
تعكس المعروضات من الصور والنماذج والخطط والنصوص والأفلام والتاريخ المروي والمواد الأرشيفية كيف شهدت المدينة خلال جيل واحد نمواً هائلاً من مدينة صغيرة يسكنها حوالي خمسة وعشرون ألف نسمة عام 1950 إلى مدينة كبيرة يسكنها 2.7 مليون نسمة في الوقت الحاضر، حيث توضّح أنه رغم تصميم واقتراح وبناء أكثر من 180 ألف بناية في قطر، إلا أنه تم إنشاء مدينة كبيرة بعناية وبتصميم عملي.
اعتمد المنظمون على أرشيف محلي ووثائق مؤسسات دولية، بالإضافة إلى حوارات مع صناع القرار في الدولة ومعماريين وخبراء تخطيط مدن، وقد أعدّ محتوى المعرض الفريق البحثي في الدوحة لـ "مكتبة أطلس".
تقوم فكرة المعرض على الربط بين القيم الاجتماعية والسياسية التي كانت تشكل منظومة ثقافية للمجتمع القطري، وبين التطور العمراني الذي شهدته الدوحة، في رصد لأثر كلّ منهما في الآخر، حيث جرى تصميمه على هيئة خط زمني، يضم ستارة بطول مئة وخمسة عشر متراً طُبعت عليها صور تروي اللحظات الرئيسية من قصة المدينة.
وأشار القائمون على المعرض إلى أن الفريق "استطاع تحديد وتنظيم مثل هذا الكم من المعلومات التي تعود إلى منتصف القرن العشرين، وهو دليل على التفكير العميق والتناغم غير العاديين اللذين بنيت وفقهما المدينة على مر العقود الماضية. نحن قادرون الآن على سرد قصة مدينة كبيرة بُنيت بعناية وبطريقة حافظت على الماضي وواكبت المستقبل".