في كتابه، الذي صدر حديثاً عن "دار الجمل" بترجمة رضا قطب، يعود باور إلى ما يسمّيه الالتباس، معتبراً أنه نظير الأيديولوجيا في ثقافة العرب والفرس والأتراك، ويرى أن الخلفاء الراشدين في القرن السابع تعمّدوا عدم تشكيل القرآن لكي يظل النص مفتوحاً ومتاحاً لقراءات مختلفة.
ويقارن الكاتب الألماني أيضاً بين أفكار فقهاء قدامى ومعاصرين، مثل ابن الجزري الدمشقي (1350-1343) وبين أفكار ابن عثيمين (1929-2001)، فالأول كان متسامحاً تجاه أي التباس، والذي رأى في القرآن نصاً مفتوحاً لا يمكن بلوغ معناه النهائي واللامحدود، بينما يصف الآخر بالتعصّب والتخوّف تجاه الالتباس الذي اعتبره خطراً وكان يخشاه، معتبراً أن هناك وضوحاً لا يقبل تعدد التأويل في نص القرآن، ويبدو هذا الأخير كما لو كان رأي أغلب المتعصّبين من المسلمين اليوم ونظرة غير المسلمين للإسلام والنص القرآني في عصرنا.
في سياق آخر، يفرد باور فصلاً للجنس، ويعتبر أنه لم يكن أمراً معقداً ولا مصدر اضطهاد وعار في المجتمعات الإسلامية المبكرة، بل يلفت إلى أدبيات عن المثلية الجنسية، ويقارن بين تلك العصور وبين العصر الحديث والمعاصر.
التفسير الذي يقدّمه باور هو الجديد، إذ يعتبر أن الطبقة المتوسطة والمتعلمة في المجتمعات العربية في الحقبة الكولونيالية حاولت جاهدة تقليد الثقافة الغربية التي تعبر عن المستعمر وأن معظم الإرث المتعصّب هو نتاج الثقافة الغربية التي أدخلتها هذه الطبقة على المجتمع الإسلامي، وليس نتاج الثقافة الإسلامية البعيدة عن التعصّب في أساسها.
يرى باور، في العمل الذي صدر بنسخته الألمانية عام 2011، أن تبني هذه الطبقة للتقاليد الغربية خلق ما يعتبره أزمة التباس لدى المجتمعات العربية قادت في نهاية الأمر إلى أشكال من الاضطهاد.
لعل ما يميّز الكتاب هو منهجية باور نفسه التي تبدو كما لو كانت طبقات من التأويل الفيلولوجي وتاريخ الثقافة وتاريخ التاريخ، ويظهر اطلاعه الواسع على الإسلام من القرن السادس الهجري إلى المعاصر.
من جهة أخرى، يساجل الباحث حول أن معظم ما يظهر من المجتمعات الإسلامية اليوم لا ينبع من جوهر الإسلام نفسه، ولكنه أصبح كذلك كنتيجة من نتائج العولمة اليوم. ويرى أنه ولفهم ذلك، لا بد من العودة إلى التطوّر التاريخي للمجتمعات الإسلامية والأوروبية أيضاً، لأن أياً من الثقافتين لم تعش منعزلة عن الأخرى، بل إن التبادل الثقافي بينهما من الكثافة بمكان، بحيث لا يمكن فهم واحدة دون فهم الأخرى.
يخلُص باور إلى أن كل ما يبدو حقيقياً وبديهياً عن المجتمعات الإسلامية اليوم، لا يمكن فهمه من دون النظر إلى مرآة الثقافة الغربية خصوصاً في الحقبة الاستعمارية.