شكّلت المدينة الفاضلة متخيلاً يوتوبياً منذ نشأة الفلسفة في الحضارات القديمة، كما عبّر عنها الفيلسوف الإغريقي أفلاطون (427 ق.م – 347 ق.م) في مؤلّفه الشهير "الجمهورية"، وحافظت على وجودها في حقب لاحقة مع بعض التغيّرات في التصوّرات حولها.
بعد تنظيمها جلسة أولى حول الموضوع نهاية الشهر الماضي، تعقد "مكتبة مصر الجديدة" في القاهرة جلسة ثانية عند السادسة من مساء غدٍ الأربعاء تحت عنوان "المدينة الفاضلة في تاريخ الفلسفة"، والتي لم يُعلن حتى اليوم أيّ تعديل أو تأجيل لموعد انعقادها، على غرار مؤسسات ثقافية عديدة في مصر قرّرت إرجاء فعالياتها بسبب انتشار فيروس كورونا.
تأتي الفعالية ضمن أنشطة "الرواق الثقافي" في المكتية، وهي مبادرة تحاول اقتراح نماذج مبتكرة في ممارسة الفلسفة؛ حيث لا تعتمد على اللقاء بين محاضر ومتخصّصين، بل على نقاش أفقي بين حاضرين لا يجمعهم الاختصاص بل أفكار يتبادلونها حول أحد المواضيع، بحسب بيان المنظّمين.
وأضاف البيان ذاته أن "الرواق يهدف إلى تعريف القارئ بالتيارات والأفكار الفلسفية على مدى تاريخ الفلسفة الطويل، من خلال محاورات ومناقشات يديرها الباحث عماد العدلي".
يتطرّق النقاش إلى أعمال وجهود عدد من الفلاسفة الذين جاؤوا بعد أفلاطون، مثل القديس أوغسطين (354- 430 م) في كتابه "مدينة الله" الذي ألّفه تفنيداً للآراء المتعدّدة في عصره حول اعتبار المسيحية عاملاً في تراجع الإمبراطورية الرومانية وانحطاطها، فقدّم أفكاره حول المدينة التي يسكنها المؤمنون ويملؤها الخير.
إلى جانب طروحات الفيلسوف المسلم أبو نصر الفارابي (878 -950 م) في كتابه "آراء أهل المدينة الفاضلة" الذي قدّم فيه مفهوماً متكاملاً للمدينة الفاضلة من منظورٍ عربي إسلامي، وناقش خلاله الذات الإلهية ممثَّلةً في الموجود الأول، والعالَم بما يحتوي من موجودات؛ جمادات وكائنات حية وأجراماً سماوية، والنفس الإنسانية، والأخلاق ومبادئها الأساسية، وحاجة الإنسان إلى الاجتماع في صورةً مُثلى للتعاون بين أفراد المجتمع من أجل مدينةٍ فاضلةٍ يسود فيها العدل، وينعم سكانها بالسعادة، وتُمكِّنهم فضائلهم من الصمود في مواجهة المدن الجاهلة.
يُذكر أن الرواق ينظّم لقاءات تسعى إلى تبسيط المفاهيم والأفكار الفسلفية لجميع الحاضرين الذين يمثّلون شرائح اجتماعية متنوعة، أي تسهيل التعامل مع الفلسفة لغير المتخصّص وجعل التفلسف فعلاً مستساغاً.