لم يسجّل أحد من "الرواة" للانتخابات البرلمانية الأردنية منذ عام 1947، تاريخ قيام أول مجلس نيابي منتخب في البلاد، أن تضمّنت برامج المرشحين، على اختلاف توجهاتهم السياسية، بنداً واحداً يتعلّق بدعم قطاع الثقافة الذي يعاني إهمالاً رسمياً وشحّاً في تمويله.
سبعة عشر مجلساً نيابياً سابقاً على مدار سبعة عقود لم يطالب أي من أعضائها بتطوير الصناعات الثقافية، بل إن جميع التشريعات التي تنظّم عمل وزارة الثقافة، وغيرها من المؤسسات ذات الصلة، كانت تأتي من قِبل الحكومة ويجري التصويت بحسب رغبتها غالباً.
المرة الوحيدة التي دعا فيها مجلس الوزراء عام 2008 إلى تأسيس صندوق دعم الثقافة يجري تمويله من إعلانات الصحافة لا من الميزانية الحكومية ولا من القطاع الخاص، ألغي المشروع نتيجة إفلاس الصحف، ولم يعترض مجلس النواب –حينها- على تشريعه ولا على إلغائه، ولم يقدّم بديلاً أو حلاً للمعضلة المزمنة.
ربما لم يسمع النوّاب الأردنيون قط بمفردتي الثقافة والمثقفين؛ حيث كانوا غائبين بالمطلق عن قضايا المنع والرقابة على الكتب والمشاريع الفنية، أو عند اعتقال مثقف أو التضييق عليه، كما أنهم تجاهلوا الدفاع عن حقوق للكتّاب مثل التأمين الصحي والتقاعد، رغم أن وسائل الإعلام تتناقل كل عام أو أقل خبر اعتلال أحد الفنانين والكتّاب وعجزه عن دفع مصاريف العلاج.
وكجري العادة في الأردن، فإن الديوان الملكي هو الجهة التي أُسند إليها تاريخياً تقديم المعونات الإنسانية للمثقفين الذي يصيبهم مرض أو عوز، لتثبّت بذلك سياسة المكرمات وتضيع ثقافة الحق التي يُغفلها جميع المرشحين للمجلس النيابي الثامن عشر المزمع انتخابه في 20 أيلول/ سبتمبر المقبل.
على أن الحملة الانتخابية لهذا الموسم تستحق تدقيقاً في الشكل والمضمون؛ إذ يلحظ المتابعون أنها تلوّث الفضاءات العامة في العاصمة والمحافظات، طوال شهر كامل، سواء عبر اليافطات واللوحات البشعة، التي تعدّ أكثر الطرق بدائية للترويج، لكنها تبدو الدعاية السائدة بما فيها من أخطاء إملائية ونحوية ومطبعية، وشعارات يدّعي أصحابها تحقيق المعجزات.
جوهر المسألة تُفصح عنه قواعد الناخبين التي تضمن فوز النوّاب، في بلد يفتقر للحياة الحزبية والسياسية، لأن 99% من أعضاء المجلس القادم سيجلسون تحته قبته إمّا لقربهم من السلطة، أو لكونهم من النافذين اقتصادياً، أو لامتلاكهم حظوة في عشائرهم الممتدة، أو لانتمائهم إلى الإخوان المسلمين؛ التنظيم السياسي الأقوى في الأردن.
130 نائباً تفرزهم أربع قوى أساسية تتلاعب بالمشهد السياسي وتحتكر كل منها الحقيقة، لكنها تتعمّد جميعها إقصاء الثقافة.