تقف هذه الزاوية عند مترجمي الأدب العربي إلى اللغات العالمية المختلفة، ما هي مشاغلهم وأسئلتهم وحكاية صداقتهم مع اللغة العربية؟ "ثمّة كتب عظيمة من التراث العربي غير مترجمةٍ للإسبانية، أو تُرجمت ولا تجد طريقاً إلى دور النشر"، تقول المترجمة الإسبانية.
■ متى وكيف بدأت علاقتك باللغة العربية؟
- بدأت علاقتي باللغة العربية في الجامعة، حيثُ درست فقه اللغة العربية، إضافةً إلى الدراسات الإسلامية في "جامعة مدريد المستقلّة" في الثمانينيات. اخترتُ هذه الدراسات لأسباب ثقافية وسياسية كانت فلسطين في محورها، ثم قضيت بعض الأشهر الصيفية في الرباط وتونس والإسكندرية كطالبةٍ في معاهد لتعليم العربية لغير الناطقين بها، وأخيراً انتقلتُ إلى القاهرة لمدّة سنتَين ونصف لكي أُكمل بحث الدكتوراه. علاقتي بالعربية مركّبة؛ علاقةٌ بـ أدبها وصحافتها من ناحية، وعلاقةٌ بالعربية المعاصرة، العامية المصرية خاصّة، وناسها من ناحية أخرى.
■ ما أول كتاب ترجمتِه وكيف جرى تلقيه؟
- أوّلُ كتابٍ ترجمتُه هو ديوان الشاعر الفلسطيني محمود درويش "ورد أقلّ". في الثمانينيّات، حضرتُ مهرجاناً موسيقياً في تونس غنّى فيه الموسيقي اللبناني مارسيل خليفة قصائد لدرويش، فاشتريتُ الكتاب وباشرتُ في ترجمته. كنتُ، حينها، شابّةً جريئةً ومتحمّسة، لكنّني قرّرتُ ألّا أنشر العمل. انتظرتُ قرابة عشر سنواتٍ لأُصدر أوّل كتابٍ، وكان لدرويش أيضاً، وهو ديوان "لماذا تركتَ الحصان وحيداً؟". هو عملٌ مختلفٌ تماماً، وكذلك أصبحت علاقتي باللغة والأدب العربيَّين بعد كلّ تلك السنوات.
■ ما آخر إصداراتك المترجمة من العربية وما هو إصدارك القادم؟
- آخر إصداراتي هي مجموعة للشاعر اللبناني عبّاس بيضون، والقادم مجموعةٌ للشاعر العراقي سركون بولص.
■ ما العقبات التي تواجهك كمترجمة من اللغة العربية؟
- أبرز العقبات بالنسبة إليَّ ليست لغوية؛ فهذا النوع من العقبات توجد له حلولٌ دائماً. تتمثّل العقبة الأساسية التي تُواجهني بصعوبة إيجاد دار نشر. لستُ مترجمةً محترفة؛ فأنا أختار الكتبَ التي أُحبّ أن أُترجِمها وأقترحها للناشر، لكنَّ الناشرين الإسبان البارزين ليسوا مهتمّين بالأدب العربي كثيراً للأسف. أمّا إن كانوا مهتمّين به، فعادةً ما يطلبون ترجمة كُتبٍ لأسماء بعينها، وهي كتبٌ تُرجمت إلى الإنكليزية سابقاً، كذلك يطلبون إنجاز الترجمة عن هذه اللغة الوسيطة؛ لأنَّ المقابلَ يكون أرخص من الترجمة عن اللغة الأصلية.
لحُسن الحظّ، وجدتُ ناشرَين متخصّصَين في كتب الشعر؛ "Cátedra" و"Pre-Textos"، وهما معروفان جيّداً لدى القرّاء الإسبان. غير أنَّ وجودهما كان حظّاً سعيداً بالنسبة إليّ، ولا يمثّل حلّاً لمشكلة عامّة تتعلّق بنشر الأدب العربي في إسبانيا. بالتأكيد هناك استثناءاتٌ دائماً، وهنا لا بُدّ أن نذكر "Ediciones del Oriente y del Mediterráneo"؛ وهي دار نشرٍ ما زالت تُصدر كُتُباً في كلَّ أنواع الأدب العربي منذ قرابة خمسة وثلاثين عاماً.
■ نُلاحظ أنَّ الاهتمام يقتصر على ترجمة الأدب العربي وفق نظرة واهتمام معيَّنَين، ولا يشمل الفكر وبقية الإنتاج المعرفي العربي، كيف تنظرين إلى هذا الأمر، وما هو السبيل لتجاوز هذه الحالة؟
- برأيي، إنَّ المشكلةَ تجاريةٌ بالدرجة الأولى؛ إذ تتعلّق بسوق الكتاب. ربّما مِن المفيد أن نشير، هنا، إلى أنَّ الأزمة الاقتصادية الأخيرة ضيّقت أكثر فأكثر من إمكانيات إصدار أعمالٍ أدبية دون إعطاء أهميةٍ كبيرة للبُعد التجاري. أمّا حلُّ هذه المعضلة فليس سهلاً بالتأكيد.
بالنسبة إلى الإنتاج الأدبي والفكري العربي، ليس ثمّة برامج من البلدان العربية لدعم ترجمة كتّابها إلى الإسبانية، على خلاف ما يحدث في لغاتٍ أُخرى؛ إذْ يطلب ناشرون دعماً مادياً لترجمةِ كُتّابٍ بعينهم. من المفارقة أنَّ بلداناً لا تملك أدباً هامّاً تُخصّص برامج لترجمته، بينما لا تفعل ذلك بلدانٌ لديها أدب هامّ. وهكذا نجد كُتُباً مُترجَمةً إلى الإسبانية لا تحظى باهتمام الجمهور الإسباني العادي، فيما تبقى كُتُبٌ عظيمةٌ من التراث العربي غير مترجمةٍ، أو أنّها مترجمةٌ لكنها لا تجد طريقاً إلى دور النشر.
■ هل هناك تعاون بينك وبين مؤسّسات في العالم العربي أو بين أفراد، وما شكل التعاون الذي تتطلعين إليه؟
- ألتقي، أحياناً، كتّاباً خلال عملية الترجمة، وهذا يُسهّل عليَّ عملي من جهة، ويُسهّل الاتفاق على الجوانب المتعلّقة بحقوق الملكية الفكرية من جهةٍ أُخرى. لكن ليس لي تعاوُن مع أيّةِ مؤسّسات. وإن كانت ثمّة إمكانيةٌ لتعاونٍ رسمي مع مؤسّسةٍ ما، فسأقترح مشروعاً طويل الأمد يجمعُ مترجمين شباباً للتخطيط والعمل تحت إشراف مترجمين ذوي خبرة. أعملُ أستاذةً في الجامعة، ولذلك أنا متأكّدة من وجود أعدادٍ متزايدة من الشباب الإسبان المتميّزين، والذين بإمكانهم الترجمة من العربية إلى الإسبانية بشكلٍ جيّد، وهؤلاء يستحقّون فرصاً أفضل من التي أُتيحت لجيلي.
■ ما هي المزايا الأساسية للأدب العربي ولماذا من المهمّ أن يصل إلى العالم؟
- سأجيبك عن هذا السؤال من منظور مواطنةٍ إسبانية قلقةٍ من مظاهر العنصرية وكراهية الأجانب التي أُلاحظ تزايدها في بلدي... لذلك، سأتحدّث عن مزايا الأدب العربي، سواء القديم أو المعاصر، في علاقته بإسبانيا. فبرأيي، يجب أن ننظر إليه كجزء من الثقافة الإسبانية، ليس بسبب تاريخنا المشترك (الأندلس والفردوس الضائع) فحسب، بل بسبب حاضرنا المستمرّ في منطقة البحرالأبيض المتوسّط؛ فالتعرُّف إلى الأدب العربي هو تعرُّفٌ إلى جزءٍ من هويتنا الشخصية والجماعية كإسبان. وهكذا يُمكن أن تكون معرفة الأدب خطوةً إلى الأمام لتغيير حاضرنا المغلَق والثقيل نحو مستقبلٍ إنساني مشترك وعادل. أنا متشائلة.
بطاقة
Luz Gómez García باحثة ومترجمة إسبانية مِن مواليد عام 1967 وأستاذة للدراسات العربية في "جامعة مدريد المستقلّة"، كما كانت باحثةً زائرة في جامعات كولومبيا وتشيلي والقاهرة ودمشق. تركّز في أبحاثها على السلطة والأيديولوجيا في الخطاب الإسلامي ضمن الفضاء المتوسّطي. من إصداراتها: "بين الشريعة والجهاد.. تاريخ فكر الإسلاموية" (2018). نقلت إلى الإسبانية العديد من العناوين العربية؛ من بينها: "دقيقة تأخير عن الواقع" لعبّاس بيضون، و"لماذا تركت الحصان وحيداً" و"أثر الفراشة" و"في حضرة الغياب" و"كزهر اللوز أو أبعد" و"حالة حصار" لمحمود درويش، ومختارات شعرية لسميح القاسم، و"حياة الأدب الفلسطيني الحديث من أوّل النهضة حتّى النكبة" لعبد الرحمن ياغي.