لم تلقَ الشاعرة التشيلية غابرييلا مِسترال (1989 – 1957) متابعة في الثقافة العربية تشبه ما نالها مواطنها بابلو نيرودا (1904 – 1973)، بحكم انتماءاته إلى اليسار ربّما، ما سرّع في ترجمة أعماله عربياً وفي الاهتمام بسيرته ومواقفه السياسية والاختلاف على نهايته.
يضمّ كتاب "من خوابي نبيذي.. حالات امرأة في عشرين قصيدة" الذي صدر مؤخّراً عن "دار أزمنة" في عمّان، مختارات لصاحبة "سوناتات الموت" نقلتها إلى العربية ووضعت تقديماً لها القاصّة والمترجمة هيفاء أبو النادي، ما يلفت في هذه المختارات أنها تضيء على حالات المرأة المتعدّدة والمركّبة، التي تحيل بشكل من الأشكال على سيرة مسترال التي تعرّضت لخذلان عاطفي وانتكاسة كبيرة حين انتحر حبيبها وهي في السابعة عشرة من عمرها، وظلّت تداعيات هذه الحادثة حاضرة في حياتها ونصوصها.
عاشت صاحبة "اليأس" وحيدةً بلا زواج، ولم يفارق الموت أغلب أعمالها الشعرية، واختبرت أكثر من ألم، ومنه انتحار ابن شقيقها - الذي رعته كأم - قبل أن يبلغ العشرين، لكن ذلك كان وجهاً في تجربة غنية لامرأة اختارت حياة عاطفية متحرّرة من قيود المجتمع، فتعدّدت علاقاتها.
وكذلك أصبحت مسترال من أبرز الأصوات الشعرية في تشيلي في سنّ مبكرة، وكانت أول شاعرة في قارتها تنال جائزة نوبل في أميركا اللاتينية، فضلاً عن مساهماتها في إصلاح التعليم في بلادها.
أدوار عدة صاغت تجربة الشاعرة، التي تصفها هيفاء أبو النادي في حديثها لـ"العربي الجديد": "إنّ أكثر ما لفتني في شعرِها هو عوالمها المتفرّدة التي صاغتها بعناية وبساطة في الوقت ذاته. وهنا، مكمن الصعوبة؛ أن تكون شاعراً قادراً على تكثيف ما تريد قوله بصورٍ بليغةٍ وتراكيب بسيطة. تقول مسترال مثلاً في مستهلِ قصيدةٍ تحمل عنوان "الأخرى": قتلتُ امرأةً فيَّ/ تلك التي لم أكن أُحبُّها".
وتضيف المترجمة: "ما التقطته أيضاً في شعر مسترال هو تماهيها المتناغم مع مضامين ما تكتبه؛ إذ تناولت في قصائدها التي اخترتها حالات امرأةٍ مثلتْ عدداً لا يحصى من نساء الأرض، في ذاك الزمان، وتنسحب على المرأة في هذا الزمان أيضاً. ففي كل زمان ثمة دائماً "امرأةٌ" "أخرى"، وثانية "حرَّة"، وثالثة "شغوف"، ورابعة "مهانة"، وخامسة "منبوذة"، وسادسة "هائمة"، وسابعة "ورعة"، وأخرى "لا تنام"، وتلك التي ترقص مثل "الباليرينا"، وهلمّ جرّا، وثمة كذلك من تجتمع فيها كلّ هذه الحالات، أو بعضها؛ فتكون هي الأخرى، والحرّة، وهي أيضاً "من تنتظر" وهكذا دواليك".
في قصيدتها "هي التي تنتظر"، تقول مسترال:
هو يجيءُ لأجلي، يجيءُ إليّ،
لا لملجأ، أو لخبزٍ ونبيذ،
ولكن لحقيقة تقول إنّي قوته
والكأس التي يرفعها ويستقي فيها.