تشكّل المجموعة القصصية الأولى "انتحار عبيد العُماني" (1985)، للروائي العُماني الراحل أحمد الزبيدي (1945 - 2018)، الذي رحل الأربعاء بعد صراع مع المرض، تأصيلاً لفن القصة في عُمان التي تمتدّ إرهاصاتها الأولى إلى الكاتب عبد الله الطائي (1924 - 1973).
جاءت كتابات الراحل تعبيراً عن الأحلام الكبرى التي عاشها جيله في مختلف أنحاء العالم العربي، وهو الذي ولد في صلالة ودرس فيها المرحلة الابتدائية قبل أن ينتقل إلى القاهرة لاستكمال المرحلتين الإعدادية والثانوية، ثم درس القانون في دمشق، ليعود إلى عُمان مطلع السبعينيّات ويعمل موظفاً في وزارة التربية والتعليم.
لم تخلُ أعماله من السخرية المغلفة بالرمز لقول ما لا يقال، وعبّرت شخصية "عُبيد" عن الكاتب نفسه، كما يرى العديد من النقاد، وما انتحار البطل في النهاية إلا تعبيراً عن انكسار المؤلف وخيباته.
وكانت الحالة الصحية للكاتب قد تدهورت في الفترة الأخيرة حيث تواترت أنباء عن موته السريري أثناء "معرض مسقط الدولي للكتاب"، الذي اختتمت دورته الأخيرة بداية الشهر الجاري، وما إن تأكّدت الأنباء عن رحيله في "المستشفى السلطاني" في مسقط، حتى نعاه المثقفون والكتّاب في عُمان والخليج.
وكذلك نعته المؤسسات الثقافية العُمانية، وهو الذي قاطعها في حياته باعتبارها لا تمثّل صوت المثقف بالدرجة الأولى، كما أبرزت الصحف المحلية على صدر صفحاتها الأولى والأخيرة خبر رحليه وما يمثله من قيمة ثقافية، إذ ترك وراءه إرثاً ثقافياً بارزاً تنوّع بين الأعمال الروائية والتاريخية ذات التقاطعات السياسية، وحضر جنازته مع المشيعين لفيف من المثقفين من الكتّاب والأصدقاء، منهم سماء عيسى وعبدالله حبيب وسعيد الهاشمي وحمود سعود.
انقطع الزبيدي عن المشهد الثقافي منذ نهاية السبعينيات، واختار العزلة والصمت ليفاجئ الجميع في عام 2008 بعملين روائييْن دفعة واحدة: "إعدام الفراشة" و"أحوال القبائل"، وتبعهما بـ"سنوات النار" (2012)، و"امرأة من ظفار" (2013)، ثم وقّع العام الماضي في معرض الكتاب روايته "الانتماء: النبي العماني يونس" (2016)، بالإضافة إلى إصداره كتاب سيرته الذاتية "نبش الذاكرة".
في عام 2013، فاز الزبيدي بـ"جائزة الإنجاز الثقافي البارز" في عُمان التي تمنحها مبادرة "القراءة نور وبصيرة" (وهي جائزة مستقلة)، وأصدرت كتاباً بهذه المناسبة بعنوان "عبيد العماني حياً"، من إعداد وتحرير سليمان المعمري وسعيد الهاشمي، تضمّن حواراً مطوّلاً معه عن تجربته السياسية والأدبية وشهادات لكتاب ومثقفين وأصدقاء عاصروا مشواره الطويل.
يقول الزبيدي في ما يشبه الشهادة على رحلته في "عُبيد العماني حياً"، متحدثاً عن تجربته: "... بعض كتاباتي في القصة القصيرة، والرواية، لم تكتب من أجل هذه المرحلة. بل من أجل مرحلة يكون فيها القارئ شريكاً فاعلاً في إعادة إنتاج الرواية. بل وفي نقدها وتغيير مساراتها. إنني أحلم بأن تسهم كتاباتي في مختلف الأجناس الأدبية في إعادة الذاكرة المسلوبة لشعبي، ذاكرته الطفولية، وذاكرته في المقاومة والثورة...".