هؤلاء
لا أحدَ منهم هنا
لِصُنعِ قِلادَةٍ من أَصداف البحر،
يَضَعُها زُخرفاً على جِيدِ امرأة
تُطِل من نافذة أحد مَنازل طَنجة العالية
هؤلاء
ليسوا هنا لسماع زَعيق النوارس،
ليسوا هنا لِدَغدغة حُبٍّ يَتأهَبُ للنُّعاس
■ ■ ■
تابَع ناقِلُ الأحلام:
هذا القارب مُخَصَّص فقط للذين أَتلَفوا عُقولهم،
تَكَلّموا مَع البحر
هذه فُرصتكم الأخيرة، قولوا له ما شِئتُم
لماذا أنتم هنا؟
أجاب أَحدهم لأَنَّني أكره هذا الوطن
أجابه ناقِلُ الأحلام
هناك لن يصيرَ لَك وَطنٌ
ولَن يُحِبّك أحَدٌ
وفجأة سَألهم:
ما اسمُ هذه المساحة المظلمة الشّاسعة ورائي؟
أجابوا البحر
مشى نحوه وهو يقول هذا عَدوُّكم
اختار أحدهم وقال له انزع ملابسك
واسبح قليلا ثُمّ عُد إلينا،
فَتَردّد
فَسألَه ناقِلُ الأحلام
لماذا يُخاطِر الناس بحياتهم؟
لأنهم مَيِّتون أصلا، أنت لم تَمُت بعد، عُد من حيث أَتيتَ
خَلَع الباقون ملابسهم وهجموا على البحر كأنَّهُ كَعكة عيد الميلاد
وحين خَرَجوا دفعة واحدة،
لم يكونوا آدميين كانوا أشباحاً
كأنّ دُخاناً يَخرُجُ من مسامِ أَجساد شاطَت وهي تَحترِق،
هؤلاء
ما بِداخلهم ليس حُلماً عادياً
إنه يُشبه دُخان طَلقَة بارودٍ
تَملأ رائحتها اليدين وخياشم الأنف
ولا تَبرَحُهما
قال لَعلّه يَثنِي عَزم بعضهم
لا أعتقد أَنكم سَتربحون شيئا هناك
ستَخسَرون حَتماً، وإن رَبِحتُم شيئاً ضئيلاً فستخسرونه
■ ■ ■
دَعوني أحكي لكم قِصَّتي مع أَرض لا تُشبِهُني
ما اسم تلك الزَّهرة ذات الأوراق البيضاء؟
لا أعرِف
فَأجاب سائلي إنَّها زَهرَةُ المانغوليا
هل تَشمُّ رائحتها السُكّرية الفَوّاحة؟
طَبعاً
لكّنها لا تُذكِّرك بأي شيء
الذاكرة هي التي تَجعلُنا طَيِّبين وجميلين
تَصَوَّر معي أَنَّكَ تَستَفيقُ كُل صباح
في أرض لا يُذَكِّرُك أيّ شيء فيها
بأي شيء جميل عِشتَه في حياتك،
لا أحَد يُشبِهُكَ هنا
الصّباح، الظهيرة، المَساءُ، الهواء، التّراب
المَطَرُ، الحقول الزراعية، النّباتاتُ
هناك أقول لكم،
ستفتحون السنابل ولا تعثرون فيها على قَمحٍ
سَتحفظون تقاليدكم وذكرياتكم كما يُحفظ الموت في ثلاجة
سَتَتَكَلَّمون لُغة مُحمّلة برائحة الأسماك
وَالأحياء العطنة، وشتات الرُّوح
■ ■ ■
مَوجُ البحر يَتقاذَفُ عالياً كان
كأن جِنِّياً يحمِلُهُ وَيُلقيهِ عَليهم
ومَرّات أُخرى يَجزِرُ وتهدأ حَركَتُه
كأنَّه ثعبان يَتربّصُ قبل أن يلدغ.
* شاعر وأكاديمي مغربي مقيم في مدينة نيو أورلينز الأميركية