في الندوة التي نُظّمت في القاهرة بداية الأسبوع بمناسبة صدور ترجمة جديدة للعمل الأشهر للكاتب اليوناني نيكوس كازانتزاكيس (1883-1957)، بتوقيع المترجم خالد رؤوف؛ توارت قليلا سيرة العمل المترجم نفسه وما يطرحه، ربما بسبب الشهرة العالمية التي حازتها رواية "زوربا"، والشريط السينمائي الذي قام ببطولته أنتوني كوين، إذ اتسع النقاش ليشمل حديث الترجمة والمترجمين.
وحضر حفل التقديم بعض من أفراد الجالية اليونانية قليلة العدد بالقاهرة، منهم الشاعر الغنائي ومدير المركز الثقافي اليوناني بالقاهرة خريستوس باباذوبولوس، الذي افتتح المداخلات بكلمة ركز فيها على تاريخ الترجمة عالمياً، وعلى العلاقة بين الكاتب والمترجم. وبخصوص حديثه عن الترجمة الأدبية، يفرّق خريستوس بين الترجمة كصنعة، وبينها كطرائق دراسية وبحثية، يقول: "البعض يعتبر الترجمة علماً، لكنني أظنها فناً بالأساس، فناً تطبيقيا يحتاج مهارة وخبرة"، ولكونها كذلك اعتبر خريستوس المترجم أديباً "يحوز مهارات كتابية".
انطبع كلام خريستوس باباذوبولوس (وهو شاعر له قرابة 100 أغنية في بلاده، بحسب المترجم خالد رؤوف) بمجازات شعرية، إذ يصوّر المترجم باعتباره "يتحلى بصفات الرسولية، إنه رسول النص المهاجر". وقد ذكّر باباذوبولوس باشتراطات عديدة تحكم عمل المترجم، منها أن يلمّ بالثقافة التي ينقل عنها، ويحيط بعالم الكاتب، وبالعمل الذي يرغب بترجمته، ودافعه لترجمته، واستراتيجياته في عملية النقل.
في ذات السياق، قدم المترجم خالد رؤوف ما يشبه سيرة كتابية لكازانتزاكيس، ومسحاً عاجلاً للترجمات العربية عن اليونانية، بما فيها ترجماته التي قدمها في مجال الأدب. وأشار رؤوف؛ الذي درس الترجمة والتاريخ والآثار اليونانية في جامعة أثينا، لتعددية الأنواع الكتابية التي مارسها صاحب "المسيح يصلب من جديد"، إذ كتب؛ بخلاف رواياته، للمسرح والسينما وفي الصحافة والنقد.
رؤوف الذي تنوّعت ترجماته بين الأعمال الكلاسيكية وأعمال المعاصرين، كالكاتبة بيرسا كوموتسي (هي أيضاً من مترجمي نجيب محفوظ إلى اليونانية)، أو الكاتب ذيميتريس ذيميترياذيس؛ أشار اتصالاً بحديث الترجمة السابق، إلى العلاقة بين الكاتب وعمله من جهة، وعلاقة العمل بالمترجِم من جهة أخرى، باعتبار الترجمة "عملية نقل للأفكار"، لذلك فإنه صدّر ترجمته لعمل "كازانتزاكيس"، بإعلان اختلافه مع الآراء التي تسمح للمترجم بأن يكون له وجهة نظر في ما ينقله إلى لغته.
تراوح وجهة النظر هذه، بين أن تكون حاسمة في عملية النقل، وبين تحجيمها لعمل المترجم وتقييدها لسياحته داخل النص، ما دام أن البعض قد يمارس على العمل سلطة تخرجه عن مساره الأصلي، كسابق الترجمات لـ"زوربا" كما يشير رؤوف، والتي يقول إنها جاءت في مجموعها ناقصة أو مختزلة، أو حتى جرى العبث بترتيب فصولها، بينما يؤكد أن ترجمته "هي الأولى التي تنقل كاملة وعن اليونانية مباشرة".
مدير المركز الثقافي اليوناني اتفق مع رؤوف، وأجاب على سؤال لرئيس المركز القومي للترجمة أنور مغيث؛ الذي طرح إشكالية تخصّ ترجمة الأعمال الكلاسيكية، قائلا "هل ننقل كزانتزاكيس لزمننا العربي الراهن، أم نذهب نحن إليه في زمانه؟"، وجاء جواب خريستوس حاسماً بقوله "على المترجم ألّا يكون خائنا".
وبحسب رؤوف، أحدث مترجمي "كازانتزاكيس"، فإن صاحب "تصوّف" تعرض لخيانات كثيرة مؤثرة، أضرت بعمله الأشهر، في الوقت الذي يقول فيه إن ترجمته الأحدث هذه حافظت على كمال النص الأصلي. إنها في الأخير فروقات في مستويات الخيانة لا أكثر، إذا ما سلّمنا بصحة كلام "الطليان".