بدأ اهتمام العلماء المسلمين بعلم الكيمياء امتداداً لاتجاه أقدَم انبثق في حضارات أخرى بحثاً عن إكسير الحياة أو حجر الفلاسفة الذي يعيد الشباب ويطيل العمر، لذلك تشكّلت معارف الكيميائيين (أو الخيميائيين وفق تسميتهم الأولى) على السحر والتنجيم.
بعد مئات التجارب، انعطفت خبراتهم في سياق علمي تجريبي قاد لاحقاً إلى الكشف عن العلاقات الحقيقية بين الظواهر الطبيعية، والتخلي عن كثير من الخرافات والأوهام، وصولاً إلى خلاصات متطوّرة مثل وضع حسابات أوزان المعادن والعناصر التي توصل إليها البيروني والخازني.
"الخلود، السعادة، الخيمياء" عنوان المعرض الذي افتتح نهاية نيسان/ أبريل الماضي في "البيت العربي" في مدينة قرطبة الإسبانية، ويتواصل حتى الخامس عشر من كانون الأول/ ديسمبر المقبل، في إطار الندوة الدولية الأولى حول الفلسفة المحكمة.
يشتمل المعرض على لوحات تحتوي رسومات وصوراً ونصوصاً توضيحية تعود إلى أسس الكيمياء القديمة وجذورها وتاريخها، وتتوزّع ضمن عدّة أقسام: الكيمياء العربية كنز من الشعر، والمدارس الفكرية المختلفة في الكيمياء العربية، وتقديم سيَر وأعمال عدد من الكيميائيين العرب (جابر بن حيان، الرازي، المجريطي، وغيرهم)، من الكيمياء المعرّفة الملموسة إلى الكيمياء المجرّدة عند المتصوفة، وأحوال وفنون النار، وخيمياء السعادة.
يزاوج المعرض بين الكيمياء بارتباطاتها الثقافية في الحضارة الإسلامية، وبين الكيمياء كعلم متخصّص ضمن تطبيقاته العلمية، حيث يستحضر كتاب "خيمياء السعادة" الذي ألّفه الإمام المتصوّف أبو حامد الغزالي باللغة الفارسية وضمّ أربعة كراسات هي: معرفة النفس، ومعرفة القلب وجنوده، والأخلاق الحسنة والأخلاق السيئة، ومعرفة تركيب الجسد بالشكل الدقيق والصحيح.
يشير بيان المنظّمين إلى أن "الخيمياء وجدت في الثقافات الشرقية والغربية العظيمة، وهي ليست مجرّد كلمة تذكّر بالسحر والممارسات غير المتجانسة علمياً، يل هي مجال يتمتع بوحدةٍ نظرية حقيقية، وتمثّل نظرة إلى العالم الباطن المرتبطة بشكل أو بآخر بالدين كعقيدة مهيمنة".
ويوضحّ أن المعرض يسعى إلى تتبع الدور الذي لعبته الخيمياء العربية؟ وهل كان المفكرون العرب والمسلمون يقومون بنقل المعرفة بين حضارات العالم القديم إلى العصور الوسطى، أم أنهم أضافوا ابتكاراتهم أيضاً في هذا السياق.