نحن أبداً لا نعيش من دون التعبير عن أنفسنا. وهذا كما قد يقول ت.س.إليوت، هو "ضجر ورعب ومجد" أن نكون أحياء. التنفس بحد ذاته تعبيرٌ، أن ينفثَ امرؤ نفسه، وحتى الموتى يمتلكون بلاغتهم. في هذه المتصلات تظهر إلى الوجود قصيدة، تظهر كتعبير وانعطافة إلى الداخل على حد سواء نحو طبيعة التعبير.
صعوبة ومتعة كتابة قصيدة تكمنان في الطريقة التي يجب أن تتفوّق فيها على التعبير الغريب المتأصّل في العالم أو تماثله. يكتب ميروسلاف هولوب: "هنالك شعرٌ في كل شيء.. وتلك أكبر حجة ضد الشعر".
بعض الكتاب مثل شكسبير، يبدو أنهم يعبّرون عن أنفسهم من دون تنقيح. آخرون، مثل جيمس ميرل، يتيحون لنا أن نلحظ تنقيحاتهم، بـ"جمال السعي" بتعبير دونالد جستس. كل كتابة تطمح إلى التعبير عن نفسها، محاولة أن تزيح كاتبها وتفوقه في النمو. الكتاب الثاني من رواية "دون كيخوته"، على سبيل المثال، أفضل من الكتاب الأول؛ لأن ميغيل ثربانتس أدرك أن "سانشو" أكثر أهمية من "دون كيخوته".
وفي رواية "آنا كارنينا" تغيّر شخصيات تولستوي الطريقة التي يتصرف بها الناس في الحياة الواقعية ببطء ومن دون معرفة ما يحدث. ونحن نمضي أكثر من مائة صفحة في داخل ذهن "السيدة رامسي" في رواية "إلى الفنار" لفرجينيا وولف، ثم، وبعبارة واحدة، تتلاشى السيدة رامسي في القسم الثاني.
إن أي قصيدة من القصائد تماثل حلماً، وتعكس في مرآتها حلماً بالطريقة التي يضع فيها القارئ القصيدة جانباً ويعود إلى العالم، مثل شبه حلم، مثل ما قد يبدو العالم عليه. سطرٌ من جيمس سالتر يعبّر عن هذا ومفاده أن الأحلام هي "الهيكل العظمي للواقع كله". ويكتبها ريان س. جيفري كالآتي: "إن احتجنا إلى خريطة/ يمكننا النظر إلى الأمواج فحسب".
ينبغي إشعار القارئ أنه مثل المتكلم في القصيدة، موجود في العالم، أو يمكن أن يوجد في العالم، أو يمكن أن يوجد في حلم يمكن أن يكون له وجود في العالم.
"بلى.. أنت تشعر بما أعنيه"، تقول غرترود شتاين. بكلمات أخرى، يكتب بعض الناس عن أشياء حدثت لهم. ويكتب آخرون عن أشياء يمكنهم تخيل أنها حدثت لهم. ويكتب غيرهم عن أشياء حدثت لهم، ولكن لم يتخيلوها بعد.
إن أي شاعر سيقول شيئاً لمجرد أن يسمعه يُقال عالياً ("قيادة السيارة فوق الرصيف تقتل. يصبح المرءُ موسوساً كما لو أنه كان يأكلها"). بهذه الطريقة يشترك الشعر والكوميديا في كثيرٍ من الأشياء: النزاهة والمفاجأة والدقة والتوقيت. ولكن أي مزحة تستهدف ردَّ فعل مفرد إلى حد بعيد، بينما أهداف القصيدة متوسعة وغامضة. وتماثل القصائد الأفلام من حيث أنها تمتلك قواعد تتجلى في الزمن، وتعتمد على الصمت في صياغة أشكالها.
قال أوزو ياسوجيرو إن "الحبكة تستخدم الناس، واستخدام الناس هو أن تسيء استخدامهم". كان يشير بهذا إلى أفلامه، ولكن ربما كان يتحدث عن الشعر.
* James Shea شاعر أميركي مقيم في هونغ كونغ
** ترجمة محمد الأسعد
اقرأ أيصاً: مئوية بروفروك: حين تقاسم الشعراء أغنية إليوت