يتكئ صاحب "باريس على النيل" على هذه المقولة في محاضرته "قاعتنا وبيوتنا.. وتطوّرها في القاهرة"، التي يلقيها عند التاسعة والنصف من مساء اليوم في "بيت السناري"، مؤكدّاً أن عمليات التحوير في نمط البناء في مصر بعد دخول عمرو بن العاص إليها جاءت في ملامح عديدة منسجمة مع المعمار البيزنطي الذي احتفى مثلاً بالشاشات الخشبية "المشربيات"، وكذلك الأقباط المسيحيين، والتي تؤشّر على طبيعة مجتمعاتهم المحافظة.
في حديثه لـ"العربي الجديد"، يرى أن التأثيرات العربية في العمارة المصرية شهدت تدرّجاً طبيعياً منذ بدء تشييد ما سميّ بـ"المجلس الحيري ذو الكمين"، وهو إيوان يتصل بغرفتين على جانبيه، لكنها في مرجعيتها الأساسية تعود إلى زمن الفراعنة. كما يلفت إلى أن الحديث عن فصل قاعات النساء عن الرجال جاء متأخراً إبّان الحكم العثماني، ولم يأت به العرب المسلمون إلى مصر كما يعتقد البعض.
استمرت التحويرات في أنماط البناء على هذه الوتيرة في العصر العباسي ثم الطولوني والإخشيدي، وصولاً إلى الفاطمي، بحسب صدقي، حيث رافق العصر الأخير طفرة اقتصادية مع تطوّر في خطاب السلطة وتعبيراتها الموجّهة والمسيطرة على الشعب كأسلوب دعاية لها، من خلال البناء، فتمّ توسيع القاعات (المجلس الحيري)، وتطوّر شكل التعامل مع الآخر عبر تقبّل بناء الكنائس.
يشير صاحب "المسجد الحديث في مصر" إلى أن العصر المملوكي شهد تغيّراً أوسع عبر إقفال القاعة وبدأت تصبح جزءاً من البيت متصلة بصحن أكبر، وتأسّست القصور التي لا تزال موجودة إلى اليوم التي عاشت فيها عائلات ممتدّة رغم أنها نُسبت إلى شخص واحد غالباً، لتعبّر الفترة العثمانية التي تلتها عن نمط اجتماعي أكثر محافظة في استخدامات البيت والحديقة.
ينبّه صدقي إلى ظهور تأثيرات استشراقية مع وصول أسرة محمد علي باشا إلى الحكم، ليصبح الطراز الغربي هو النمط السائد المستورد من الأستانة (إسطنبول) حينها بتأثيرات ألمانية وفرنسية، ولما عاد المبتعثون للدراسة في أوروبا بنوا بيوتاً و"فيلات" تقترب من تصميم المنازل في فرنسا تحديداً كما في حي الحلمية القاهري.
كما يستعرض في محاضرته التطوّرات التي شهدها تصميم البيت المصري الذي تمركز حول القاعة الرئيسية "الإيوان" حيث تُبنى حول الغرف المرفقة، حتى بدأت "الأوربة" في عهد محمد علي باشا وترسّخت في القرن العشرين، وانتقلت إلى بقية بلدان المنطقة بعد ذلك.
يختم صدقي بالحديث بضرورة التدخّل الرسمي في الحفاظ على الهوية نتيجة للتشوّهات التي أصابت المعمار المصري والعربي، بعد أن فقد الفرد حضوره في المكان وقدرته على التفاعل مع شكله ووظائفه التقليدية.