"يا علي مت واقفاً" هي العبارة التي ظلَّت راسخة في وجدان الجزائريين، وخاطب بها سيد علي كويرات (1933 ـ 2015)، الذي رحل أمس الأحد، علي لابوانت، أحد أكبر الثوريين في الجزائر، لحظة إعدامه في فيلم "الأفيون والعصا" (1969).
كان الجزائريون يومها حديثي العهد بالاستقلال الوطني، وتشرّبوا هذه العبارة لأنها أحالتهم إلى الرهان الذي كان يجب أن يخوضوه بعد خروج المستعمر الفرنسي.
من هنا طرح كويرات نفسه فناناً في خدمة صورة الثورة، يستنهض جميع طاقاته ليجسد الأوجاع والأحلام التي كانت تسكن يوميات الثوري الجزائري في خمسينيات القرن العشرين.
بدأ مشواره الفني عام (1947)، بانضمامه إلى فرقة "مصطفى كاتب" التي كانت تتخذ من النشاط المسرحي وسيلة لبث الوعي الوطني في صفوف الجزائريين، قبل سنوات من اندلاع الثورة عام (1954). فرقة أصبحت بعدها جزءاً من الفرقة الفنية التي أسستها "جبهة التحرير الوطني".
مثّل في فيلم "أبناء القصبة" (1963)، المأخوذ عن نص لعبد الحليم رايس، وفي فيلم "وقائع سنين الجمر" (1975)، الحاصل على السعفة الذهبية في "مهرجان كان"، وقد لعب فيه دور الشاب الذي اختار الانخراط في المسعى الثوري رغم كل المعيقات أمامه؛ دوراً لم يكن خياراً سينمائيا ومسرحياً فقط، بل كان خيار حياةٍ أيضاً.
هذا الانسجام بين الخيارين الفني والثوري في مسيرة الفنان كويرات، لفت إليه انتباه العديد من المخرجين، وظهر في نخبة من الأفلام التي صنعت مجد السينما الجزائرية، منها: "هروب حسان طيرو" (1974)، و"عودة الابن الضال" (1976)، و"الضحايا" (1982).
ورغم أنه لم يكن يملك سوى تقاعده البسيط، إلّا أن "أسد الشاشة الجزائرية" ظلَّ دائماً يرفض الظهور في الأفلام والمسلسلات التجارية، التي كان يسمّيها "العفن"، ويندد بالسياقات التي أنتجتها، والواقع الذي تصالح معها فباتت تشكّل وعيه، ليس في الفن فقط، بل في الحياة أيضاً.
وقف إلى جانب الطاقات الشابة، التي رأى فيها القدرة على تقديم بديل سينمائي جديد، ولم يتوان في قبول الظهور معها في مشاريعها الفنية. نذكر هنا تمثيله في فيلم "الأجنحة المتكسرة" (2009) للمخرج والروائي رشد جغوادي.
في هذا الفيلم لعب دور الرجل العطوف الذي يحب الخير، ويحنو على الأطفال، حتى أنه تبنّى الطفل عادل، القادم إلى الجزائر العاصمة بحثاً عن عمل ومأوى، مترجماً صوته في الفيلم: "ما تخافش يا وليدي.. راني هنا".