ربما لا نقع على مدينة تحتشد فيها الأساطير حول الأنبياء والأولياء الصالحين وحتى المتمرّدين والعشاق والمجاذيب الذين خرجوا على مجتمعهم مثل دمشق، ومنها ما تواتره أهلها عن "مغارة الدم" أو "الأربعين" على قمة جبل قاسيون الذي يطلّ على الشام كلّها.
شهدت المغارة مقتل هابيل على يد أخيه قابيل، بحسب المرويات الشعبية، وهي إحدى الأساطير المؤسّسة لتاريخ البشرية بكل إحالاتها الفلسفية، أو بتجلّياتها في صراع الفلّاح الذي يزرع أرضاً مع الراعي الذي يربّي الماشية، جوّاب مراعٍ ولا أرض له، وسواها من التأويلات.
كغيره من الفنّانين الذين فتنهم ذلك المشهد الذي يؤرّخ لبدء القتل - لدى أتباع الديانات السماوية - ضمن متوالية الدم التي لا تنتهي، رسَم الفنان السوري محمود حمّاد (1923 – 1988) أحد أبرز أعماله عام 1958 بعنوان "قابيل وهابيل".
في تلك المرحلة التي عمِل فيها مدرّساً في إحدى مدارس قرى حوران (جنوبي سورية)، عالج موضوعات متعدّدة اجتماعية وسياسية، وكان في أقصى درجات اشتباكه مع الشأن العام في حينها، وأظهر تجريباً عالياً في تكوين لوحته وخطوطها وألوانها.
لا نعلم الهواجس والأفكار التي دفعت حمّاد إلى اشتغال هذه اللوحة التي قد لا تندرج في سياق النبوءات، لكنها تصلح لأن تكون عنواناً لراهن سوري وعربي أيضاً.