تقف هذه الزاوية عند مترجمي الأدب العربي إلى اللغات العالمية المختلفة، ما هي مشاغلهم وأسئلتهم وحكاية صداقتهم مع العربية.
■ متى وكيف بدأت علاقتك باللغة العربية؟
منذ الطفولة. حين كنتُ صغيراً في قرية واقعة في جنوب رومانيا، كنت أستمع خلال الليل إلى مذياع صغير بعد أن ينام أهلي. كنت أستمع إلى الأغاني العربية، وكذلك إلى نشرات الأخبار، وكنت في هذه المرحلة المبكرة معجباً بإيقاع الكلمات وبالأصوات دون أن تكون لي معرفة بمعاني الكلمات ودلالاتها. بدأتُ أحاول أن أتعلم كلمات مما أسمعه في الراديو، وكبرتُ وكبُرَت معي هذه المحبة. بعد سنوات، أصبحتُ طالباً في قسم اللغة العربية في جامعة بوخارست، وحين تخرّجت ذهبت للعمل في بلدان عربية، اشتغلت مترجماً في شركة رومانية نفطية في ليبيا والعراق، ثم رجعتُ إلى نفس الجامعة التي تخرّجت فيها وحقائبي مليئة بما تعلمته خلال الفترة التي عشتها في البلدان العربية. تعلمت الكثير حول اللغة العربية وبدأت أتذوّق الأدب والفلسفة وأصبحت لديّ ذكريات لا تُنسى حول الأماكن والناس في البلاد العربية. في المجمل، يمكن القول إنه صحيح أنني تعلمت اللغة العربية في جامعة بوخارست ولكنها صُقلت في بغداد.
■ ما هو أول كتاب ترجمته وكيف جرى تلقيه؟
هناك مستويان للإجابة عن هذا السؤال، لأن أول كتاب ترجمته كان "بيروت 75" لـ غادة السمان. ترجمته في العطلة الفاصلة بين الصفَّين الثاني والثالث وأنا طالب في جامعة بوخارست. لسوء الحظ، ضاعت منّي تلك الترجمة التي كانت مكتوبة في دفتر بقلم رصاص ولم أحاول إعادة ترجمة الكتاب لأنني مررت إلى قراءات أخرى. أما أوّل ترجمة نشرتُها فكانت لمجموعة من الحكايات الشعبية العراقية جمعتها خلال الفترة التي قضيتها في بغداد، كان ذلك قبل الحرب على العراق عام 1991.
■ ما هو آخر إصداراتك المترجمة من العربية؟ وما هو إصدارك القادم؟
في السنة الماضية، ترجمتُ إلى الرومانية كتاب "في الفلسفة الأولى" للكندي. ومن الشعر العربي المعاصر، نشرت مجموعة نصوص للشاعر الفلسطيني محمود درويش تحت عنوان "في القدس"، كذلك ترجمتُ إلى العربية الحكاية الرومانية المشهورة "الصرة ذات القرشين".
■ ما هي العقبات التي تواجهك كمترجم من اللغة العربية؟
لا أعتقد بأنه توجد عقبات تخصّ الترجمة من العربية إلى الرومانية على وجه الخصوص، وإنما هنالك عقبات عامة تنطبق على كافة الترجمات مهما كانت اللغة التي تنقل منها.
■ نلاحظ أن الاهتمام يقتصر على ترجمة الأدب العربي وفق نظرة واهتمام معينين، ولا يشمل الفكر وبقية الإنتاج المعرفي العربي، كيف تنظر إلى هذا الأمر؟ وما هو السبيل لتجاوز هذه الحالة؟
صحيح أنني شخصياً أهتم بترجمة الكتب الأدبية، والتي تكون قد نالت إعجابي، لكن هذا الإعجاب يمتدّ إلى كتب الفلاسفة القدماء مثل الغزالي وابن طفيل وابن رشد وابن سينا والكندي وغيرهم. كما أنني كثيراً ما ترجمت للشعراء العرب المعاصرين من بينهم جبرا إبراهيم جبرا، ومحمود درويش، وسميح القاسم، وخزعل الماجدي، وغيرهم. على مستوى آخر، أشير إلى أنني بذلت جهوداً من أجل ترجمة أمهات الكتب الدينية الإسلامية، من ذلك أنني قمت في عام 2000 بإصدار الترجمة الرومانية للقرآن الكريم، وبعد ذلك قمت بترجمة "نهج البلاغة"، وكل ذلك ضمن محاولة لتعريف القارئ الروماني بالوجه الصحيح للدين الإسلامي، غير الوجه المشوّه الذي يجري الترويج له. أعتقد أن كل مترجم يختار ما يراه مناسباً حسب ثقافته وذوقه، لذلك فحين نتحدّث عن إشكالية ترجمة الإنتاج المعرفي العربي أرى أنه لا يمكنني الإجابة. أظن أن الجهات المختصة العربية هي التي عليها أن تهتم بذلك، وأن تضع برامج لترجمات في هذا الاتجاه.
■ هل هناك تعاون بينك وبين مؤسسات في العالم العربي أو بين أفراد؟ وما شكل التعاون الذي تتطلع إليه؟
ذكرت سابقاً أنني أقمت لسنوات في طرابلس وبغداد. إضافة إلى هاتين المدينتين، زرتُ تقريباً كل البلدان العربية. تعلمتُ الكثير من هذه الزيارات، وزرت الكثير من المكتبات فيها، واستفدت من اللقاءات مع الناس والحديث إليهم. كم كنت محظوظاً! لماذا؟ لأنني صادفت في طريقي أناساً من أحسن ما يكون. أحياناً، لما يشملني اليأس أمام متاعب الحياة أفكر بهم، بهؤلاء، وأجد فيّ التفاؤل لكي أستمر. أنا أحمل صورهم وكثيراً ما أذكر أقوالهم في محاضراتي التي ألقيها للطلاب. هم من كافة البلدان العربية: من العراق، من سورية، من لبنان، من فلسطين، من مصر، وغيرها من البلدان العربية. أعتقد أن هؤلاء هم من يربطونني بالثقافة العربية أكثر من أي علاقات مؤسساتية.
■ ما هي المزايا الأساسية للأدب العربي؟ ولماذا من المهم أن يصل إلى العالم؟
أنا أؤمن بأن الأدب يسهّل معرفة جوهر شعب ما. وبالتالي، فإن ترجمة الأدب العربي تسهّل التعرف على القيم الروحية للعرب وعلى طموحاتهم وأحلامهم ومشاعرهم بما يمهّد الطريق إلى الحوار والتفاهم، فمن الواضح أن الحوار هو الوسيلة الوحيدة التي تحقق التعايش السلمي للأمم والحضارات والقضاء على تلك الفكرة المخيفة عن "تصادم الحضارات"، المتداولة حالياً في مختلف الأوساط.
بطاقة
مترجم وباحث وشاعر روماني، يشغل حالياً منصب رئيس قسم اللغة العربية في جامعة بوخارست. ولد عام 1958 في بلدة غريندو. من أهم ترجماته من العربية إلى الرومانية: "القرآن الكريم" (2000)، و"حي بن يقظان" لابن طفيل (2001)، و"كليلة ودمنة" لابن المقفع (2010)، و"في الفلسفة الأولى" للكندي (2017، الصورة)، وأنجز القاموس "عربي-روماني" (1998)، وله أيضاً ترجمات من الرومانية إلى العربية.