تمّ العثور على العشرات من مناجم التعدين التي أُنشئت في حقب تاريخية مختلفة من الحضارة المصرية القديمة، منذ ثمانينيات القرن الماضي، حيث وُجدت مناجم الذهب في الصحراء الممتدّة حتى السودان، والنحاس في سيناء، واكتُشف العيديد من المحاجر على ضفتي نهر النيل.
لعب استخراج الخامات الطبيعية دوراً بارزاً في تطوّر الحياة من خلال تصنيع العديد من الآلات التي تدخل في مجالات الزراعة والصناعة والطبخ والبناء والأثاث والأسلحة وأغراض الزينة، كما تطوّرت الأدوات التي استُخدمت في التعامل مع هذه المعادن ضمن عمليات الكشط والقطع والتطعيم وغيرها.
"حفر مناجم المجوهرات المصرية القديمة" عنوان المحاضرة التي تلقيها الباحثة في علم المصريات كيت ليتزكا عند السادسة من مساء غدٍ الأربعاء في "المعهد الثقافي البريطاني" في القاهرة، والتي تلقي الضوء على نتائج التنقيب لبعثة وادي الهودي التي بدأت عملها في الصحراء الشرقية منذ عام 2014.
تتوقّف الباحثة عند الجمشت، أحد الأحجار التي توجد باللون الأرجواني الداكن ولون الخزامى، وحظيت بمكانة عالية زمن الدولة الوسطى في مصر بين عاميْ 2000 و1700 قبل الميلاد، حيث كان يكافئ الفرعون حاشيته ببعض القطع منه، كما الأميرات يرتدين مجوهرات مصنوعة منه.
تروي ليتزكا كيف انطلقت أولى الحملات الاستشكافية التي شارك فيها العمال المصريون والنوبيون وكذلك العبيد الأفارقة لاستخراج الجمشت من عدّة مواقع تنتشر في الصحراء الشرقية، وكلّف مئات الجنود بحماية الإمدادات من هذا الحجر التي كانت تصل تباعاً إلى مدن النيل.
وكان العمال الذين يلقون حتفهم في المنجم، تعاد جثامينهم إلى مدنهم لدفنها في توابيت، أمَّا العبيد، فكانوا يُدفنون بالموقع نفسه، وتبرز النقوش افتخارهم بطبيعة عملهم في استخراج ما كان يُعتبر حينها من المجوهرات.
خلال البعثة الاستكشافية الأخيرة في المكان، تمّ العثور على أكثر من 250 نقشاً منحوتة على ألواحٍ حجرية وفخار توثّق عمليات الحفر في الصحراء، بحسب المحاضرة التي تشير إلى تشييد عدد من الأبنية بالقرب من كل منجم، حيث كان يسكنها عمّال المناجم والجنود، وتعكس صورة عن واقع الحياة في رحلة صحراوية قاسية.