على عكس المتوقع، أثارت الصورة التي نشرها، قبل يومين، وزير الثقافة الجزائري، عز الدين ميهوبي، في صفحته الشخصية على فيسبوك، وهو يستقبل ماجدة الرومي، بعد أن انتظرها طويلاً عند مدرج الطائرة، موجةٍ من الانتقادات الساخرة.
تعود الفنّانة اللبنانية إلى مدينة قسنطينة بعد 18 عاماً على آخر زيارة لها، لتُشارك في اختتام تظاهرة "عاصمة الثقافة العربية 2015"، التي يُسدل الستار على فعالياتها بعد أيّام قليلة. قدّمت الرومي حفلاً في المدينة ليلة أمس، على أن تُقدّم آخر في الجزائر العاصمة ليلة غدٍ الجمعة.
مواقع التواصل الاجتماعي عجّت بتعليقات تساءل بعضُها عن السبب الذي يدفعُ وزيراً في الحكومة إلى استقبال فنّانة (مهما كان وزنها) عند مدرج الطائرة، وأجاب بعضها الآخر معتبراً أنها محاولةٌ لإبعاد الأنظار عمّا أسموها "مهزلة عاصمة الثقافة"، وللتغطية على إخفاق التظاهرة، بينما علّق آخرون أن يكون الوزير الشاعرُ قد دسّ في جيبه قصيدةً قضى أياماً ولياليَ في نظمها وتنقيحها، على أمل أن تغنّيها الفنّانة اللبنانية، مذكِّرين بأنه فعل الشيء نفسه، حين "فرضَ" نصوصه على "تركيب شعري" سيُقدّم في اختتام التظاهرة.
بحسب ما نقلته وسائل إعلام محلية، فإن ماجدة الرومي ستتقاضى مع فرقتها، مقابل الحفلين، ما قيمته 300 ألف دولار أميركي، وهو مبلغ رأى كثير من المتابعين في صرفه على حفل فني تناقضاً مع سياسة التقشّف وترشيد النفقات التي تطبّقها الحكومة في كلّ المجالات، ومن بينها مجال الثقافة.
"الشكارة للفنّانين والضرائب على المواطنين". هكذا عنونت إحدى الصحف المحلية، صباح اليوم، في إشارة إلى الإجراءات التي اتّخذتها الحكومة مؤخّراً بسبب تراجع أسعار النفط، ومنها زيادات الضرائب وأسعار الغاز والكهرباء. ("الشكارة" تعبير جزائري يعني "الكيس").
أحدهم علقّ على الموضوع قائلاً: "لأن الكلمات ليست كالكلمات، فإن التقشّف ليس كالتقشّف"، وكتب الروائي والمترجم شرف الدين شكري: "تستاهل ماجدة الرومي، لأن كل مثقّفي هاذ البلد انتهازيون، ولصوص مناسبات، وخوّافون، ولا يقولون كلمة الحق في وجه هذا النظام الظالم".
يُذكّر بعضهم بأن صاحبة "كلمات" كانت من بين الفنانين العرب القلائل الذين زاروا الجزائر وقدّموا فيها حفلات خلال أزمتها الأمنية في التسعينيات، وهو ما يرون فيه موقفاً يستحقّ الإشادة والتثمين والمكافأة. لكن، ثمّة من له وجهة نظر مختلفة.
من بين هؤلاء، الشاعر عبد العالي مزغيش، الذي دشّن عبر صفحته على فيسبوك، ما يُشبه حملةَ ضد حفلي الفنّانة اللبنانية. في هذا السياق، كتب قائلاً: "أوّل فنّانة عربية تكسر الحصار الثقافي المضروب على الجزائر قبل 15 سنة. عبارة رنّانة لتبرير صرف أموال الدولة. الأجدر بوزارة الثقافة توزيع ملايير "ماجدة" على فنانين وأدباء وموسيقيين جزائريين تحدّوا الإرهاب الهمجي وصنعوا الحب والحياة في زمن الموت والكراهية، منهم المغتالون ومنهم من فارقونا على مرض، ومنهم من يعانون اليوم التهميش والإقصاء". ويضيف مزغيش عمّا يسميه "هواية استيراد الكفاءات" قائلاً إنها "هواية جزائرية الجنسية بلا شكّ".
في مقابل الاحتفاء بالفنانة اللبنانية، يُشير مزغيش إلى تغييب أسماء فكرية جزائرية عن التظاهرة: "غُيّب بشكل متعمّد المفكّر الفذّ، فيلسوف الإسلام ونابغة عصره مالك بن نبي، ابن قسنطينة التي احتضنت الثقافة العربية عاماً كاملاً، ولم تحتضن ابنها الراحل ولو يوماً واحداً".
يُذكّر مزغيش أيضاً بمشهد الأساتذة الجزائيين الذين يقومون، حالياً، بإضراب عام، حين يقول إن صورة الوزير والفنانة تستدعي "صورة الأساتذة وهم يتضوّرون جوعاً، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، مصرّين على عدالة قضيتهم، متّخذين من الإضراب عن الطعام خياراً لا بديل عنه".
من جهته، علّق الروائي بشير مفتي قائلاً: "ماجدة الرومي فنانة كبيرة نحب سماعها ما في ذلك شك. ولكن ما أحوجنا إلى أن نستثمر قليلاً في أنفسنا بأموالنا كي تبزغ عندنا ماجدة الرومي الجزائرية. لماذا تحطّمون مواهب البلد وتكسرون طموحاتنا وأحلامنا؟".
أمّا الصحافي محمد رابح، فعقد مقارنة بين زمنين جزائريين غنّت فيهما ماجدة: زمن الخراب قبل مجيء الرئيس بوتفليقة، وزمن الخراب في آخر عهدته التي استمرت قرابة عشرين عاماً: "ماجدة التي أحب، وكأنها ضبطت صوتها على إيقاع الخراب؛ فقد عادت بعد عقد من الزمن، وتلك الدماء التي أبكتها طول الطريق إلى سيرتا (قسنطينة) كما قالت وقتها، تحوّلت اليوم إلى لعنات ليست كاللعنات، أصابت كل شبر في هذه الأرض".
ويبدو أن حضور صاحبة "كن صديقي" جاء في لحظة تفجر الإحباط الذي تعيشه شريحة كبيرة من مثقفي الجزائر، فالكاتب والناقد لونيس بن علي قارن بين حفاوة الاستقبال الذي حظيت به الفنّانة اللبنانية وسخاء وزارة الثقافة معها بما يعيشه المثقّف الجزائري: "لو منح لي وزير الثقافة مليارين، كنتُ لأفيد المجتمع أفضل من ماجدة الرومي. ستكون لي القدرة على تحقيق جميع مشاريعي البحثية. لكن يبقى أني، من منظور هؤلاء، لا أساوي شيئاً. حين أُدعى إلى مهرجان ثقافي، أنفق من جيبي للتنقّل في حافلة مهترئة، أنهض باكراً لأصل باكراً، وقد يكون الامتياز الوحيد هو الإقامة في غرفة مع ثلاثة أشخاص، والحصول على وجبة مجانية، ثمَّ تُمنح لي ورقة على أساس أنها شهادة لا تفيد في شيء. أتحدّث خمس دقائق ويذهب جلّ ذلك الوقت يذهب في البسملة والترحيب والتوتّر".
بعض المتابعين لم يفتهم التذكير بكلام مدير التظاهرة، سامي بن الشيخ، قبل عام من اليوم، حين قال إن الفنانة اللبنانية فيروز ستقدّم حفل افتتاحها، معلّقين بنوع من السخرية: "وعد بإحضار فيروز في الافتتاح، فأحضر ماجدة في الاختتام!".