على خلاف كثيرٍ من البلدان العربية، انطلق الإنتاج السينمائي في موريتانيا متأخّراً وظلّ يسير ببطء شديد. ساهمت في ذلك ثقافة الشفاهة التي شكّلت سدّاً منيعاً في وجه ثقافة الصورة، وأيضاً، نظرة الارتياب التي ترى في الفن السابع "وسيلة لتسويق أنماط ثقافية دخيلة على المجتمع".
يُضاف إلى ذلك غياب بنية تحتية في مجال السينما؛ فالعاصمة نواكشوط التي كانت تضمّ أكثر من 15 قاعة عرض في السبعينيات والثمانينيات، لم تعد تتوفّر، اليوم، على أيّة واحدة منها، شأنُها في ذلك شأن بقيّة المدن الداخلية.
يُحمّل المخرج السينمائي، عبد الرحمن أحمد سالم، الدولة مسؤولية هذا الوضع، قائلاً إنها رفعت يدها تماماً عن مجال السينما، ومذكّراً بإيقاف "إدارة السينما" في وزارة الإعلام وإلغاء مادة التعليم الفني من المناهج التعليمية.
رأي تسانده المخرجة الشابّة لالة كابر التي ترى أن إغلاق دور العرض وتوقّف الدعم والاهتمام الرسمي بالسينما، طيلة عقدين، أدّى إلى تغييب كامل لثقافة الصورة في البلاد، لدرجة أن كثيرين باتوا يخلطون بين المسرح والسينما.
غياب قاعات العرض دفع العديد من السينمائيين إلى إيجاد بدائل أخرى، مثل الساحات العمومية؛ على غرار "ساحة فضاء التنوع البيئي والثقافي"، وسط العاصمة، والتي شيّدوا فيها جداراً واتّخذوه شاشةً لعرض أعمالهم، وسرعان ما استقطبت "الشاشة الإسمنتية" جمهوراً.
يقول السينمائي الطالب ولد سيدي، إن اللجوء إلى الشارع كان الخيار الوحيد في ظلّ انعدام القاعات، مضيفاً أن "العرض خارج القاعة، وسط محيط طبيعي، له نكهة خاصّة، وأصبح متنفّساً لكثير من سكّان نواكشوط".
لم يمنع هذا الجو الخانق من بروز سينمائيين يحاولون تجاوز الأمر الواقع وتقديم تجارب جادّة، من بينهم المخرج عبد الرحمان سيساكو الذي حقّق فيلمه "تمبكتو" نجاحاً لافتاً وحاز عدّة جوائز عالمية ورُشّح للأوسكار. صحيحٌ أن سيساكو راكم تجاربه في فرنسا وليس في بلده الأم، لكن من المؤكّد أن الخبرات المهاجرة بمقدورها أن ترفد الصناعة السينمائية.
نذكر أيضاً الممثّل والمخرج سالم دندو الذي يخوض تجربة إنجاز أوّل فيلم طويل بإمكانات محلية، ومن دون الاستعانة بالتمويل أو الطواقم الفنية الأجنبية.
ووسط هذا المناخ، ظهرت العديد من المبادرات الساعية إلى النهوض بالسينما وإيجاد موطئ قدم لها في المشهد الموريتاني، من دون انتظار تدخّل حكومي لإنقاذ الوضع. من بين تلك المبادرات، "مهرجان نواكشوط الدولي للفيلم القصير"، الذي يشهد عرض أفلام موريتانية وعربية وأجنبية، وإقامة ورشات تدريبية، بهدف تقريب الشباب من السينما وتشجيع محبّيها على ممارستها.
المهرجان تنظّمه، منذ عشر سنوات، "دار السينمائيين الموريتانيين" التي أسّسها المخرج والمسرحي الموريتاني عبد الرحمن أحمد سالم سنة 2002، ويهدف إلى نشر ثقافة الصورة في البلاد، من خلال عروضها في الساحات العمومية عبر شاشات متنقّلة، ونشاط أعضائها، وغالبيتهم من الشباب المتطوّعين، لمحو الصورة النمطية للموريتانيين عن السينما.
يقول مدير المهرجان، محمد ولد إدوم، إن دورة هذه السنة، والتي ستنطلق في 23 تشرين الأوّل/ أكتوبر المقبل وتستمرّ أسبوعاً، ستشهد تنظيم عدد من الورشات التدريبية لفائدة عشرات الشباب، لتعريفهم بأساسيات فنون تصوير الفيديو والمونتاج والإخراج السينمائيين، إضافة إلى ورشات حول صناعة الأفلام الوثائقية وإدارة الممثل وكتابة السيناريو.
يؤكّد ولد إدوم أن الساحة السينمائية في موريتانيا تحتاج إلى بثّ نفَس جديد، مبدياً أمله في الأجيال الجديدة لتشكيل "جيل سينمائي يعي رسالة الفن السابع ويهتم بإيصال أحلامه ورسائله من خلال الصورة"، مضيفاً أن المشاركين في الورشات سيعيشون جوّاً سينمائياً يمهّد لهم الطريق إلى إخراج السينما الموريتانية من غيبوبتها.