يبدو أن كلاً من الناشط السعودي رائف بدوي، والشاعر الفلسطيني أشرف فيّاض، ليسا سوى حلقتين من مسلسل منعٍ طويلٍ بدأت السعودية بعرضه.
فبينما يُجلد الأول ويُسجن، ويُحكم على الثاني بالإعدام، بتهم التعرّض إلى المقدّسات ونشر الأفكار الإلحادية، ها هو الكاتب زهير كتبي (62 عاماً) يواجه حكماً بالسجن لأربع سنوات، والمنع من الكتابة لمدة 15 عاماً.
التهمة الموجّهة إلى كتبي هي "تأليب الرأي العام"؛ إثر مقابلةٍ له، أجراها قبل ستة أشهر، قال فيها إن "المثقفين السعوديين لا يقولون الحقيقة، وإن العنصرية والإقليمية جزء من الهوية السعودية". عُرف صاحب "الدفتر السياسي والديني: قراءة عصرية" بدعواته الإصلاحية التي كان يحث عليها في لقاءاته وكتاباته، أبرزها تبني النظام الملكي الدستوري، ومناهضة القمع الديني والسياسي.
ليست هذه المرّة الأولى التي يتعرّض فيها كتبي إلى الحبس، فكان قد سُجن ست مرات سابقاً، وأكثر من ذلك؛ أرسل إلى "مستشفى الأمراض العقلية" في الطائف ومكث فيه 17 يوماً، في عام 1990، وفق ما قاله في إحدى مقابلاته التي أجراها هذا العام.
وفي حلقةٍ أخرى من المسلسل نفسه، مُنعت الشاعرة السعودية، هند المطيري، من أي مشاركة أدبية في مدينة مكّة، إثر إلقائها قصيدة في "معرض جدة للكتاب" بعنوان "ويحَ القبيلة". بغضّ النظر عن القيمة الأدبية للنص وتقليدية بنائه ولغته، إلّا أن مضمونه يحاول تفكيك ممارسات القبيلة، تحت غطاء الدين، على الفرد؛ وما تمنعه وتسمحه بناءً على ثقافةٍ ذكورية بحتة.
في بحثنا عن تسجيل فيديو لـ مطيري وهي تقرأ نصّها، نعثر في يوتيوب على قناة اسمها "علوم المرجلة"، حمّلت التسجيل بعنوان "اسمع تخاريف قصيدة ويحَ القبيلة". لا يختلف هذا الأسلوب القبَلَي كثيراً عن البيان الذي أصدره رئيس اللجنة الثقافية في معرض جدة، سعود كاتب، وقد جاء فيه:
"خالفت (المطيري) الاتفاق مع إدارة المعرض وتجاوزت ذلك إلى إلقاء قصيدة لا تليق بمعرض الكتاب، لذا تم عرض هذه المخالفة على أمير منطقة مكة المكرمة الذي وجه بمنع مشاركة الشاعرة في أي مناسبة أخرى في منطقة مكة المكرمة". نتساءل: هل دخول رجال الهيئة إلى معرض كتاب لمراقبته وفرض ما يحلو لهم على ضيوفه وزائريه أمر يليق بالكتاب والثقافة؟
وهل يمكن اعتبار سجن الشعراء والكتّاب وإصدار أحكام الإعدام بحقّهم وإرسالهم إلى المصحّات أمر يليق بالإنسانية برمّتها؟ من الواضح أن السعودية تعمل على فرض حصارٍ ترهيبي على كل ما هو ثقافي، أو يُخالف ما تميل إليه قبائلياً ودينياً وسياسياً؛ فإلى جانب كل ما ذُكر، حجب، يوم أمس، موقع "العربي الجديد" عن قرّائه هناك أيضاً.
من جهةٍ أخرى، يبدو أن هذه التظاهرات "الثقافية" ليست سوى فخاخ أو كمائن يجري نصبها لاستدراج المثقّفين والكتاب والتفتيش في أفكارهم ليُزجّ بهم في دوامة الرقابة والمنع والسجون؛ لأسباب مُبهمة هي أقرب إلى تلفيقات. هذا ما حدث أيضاً لجناح "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" الذي أُغلق في ثاني أيام المعرض عنوةً، من دون إبداء أي سبب أو حتى تلفيق لذلك.
ينتظر الشبّان السعوديون، والمقيمون هناك، مهرجانين سينمائيين يفترض إقامتهما بداية العام المُقبل. هل سيكونان كمينين جديدين للاطّلاع على ما يجول في أذهان المخرجين والهواة، في سعيٍ إلى منعهم وسجنهم قبل أن يصيروا محترفين؟
اقرأ أيضاً: أشرف فياض.. بدأ الدرس الأول