كما في العرض السابق الذي استند على خلفيّة بصرية تجوب شوارع حيفا، حيث تتوالى ضربات الصور لمدينة فلسطينية عريقة تعيش غربتها تحت الاحتلال المستمر منذ 1948؛ يُوازن العرض الجديد لسليمان بين المادة الموسيقية والتعبير البصري الأدائي في جرعة زائدة من هذا الأخير.
يشارك في العرض، الذي أخرجه نزار أمير الزعبي، أحد عشر ممثّلاً وممثّلة، إضافة إلى المغنيات رنا خوري ومنى حوّا وميساء ضوّ ورهام خوري. يقدّمون، مع الموسيقى، عرضاً تساؤلياً يرصد الآمال والتخبّطات التي يعيشها الإنسان العربي؛ إذ يصف العمل ليلةً واحدة في الوطن العربي، محاولاً مواجهة أزماته السياسيّة والاجتماعية.
في حديثه إلى "العربي الجديد"، يجيب سليمان عن سؤال عمَّا إذا كانت الاستعانةُ بالسينوغرافيا نوعاً من التعويض وعنصر جذب لجمهور ليس معتاداً على الموسيقى الآلاتية، بالقول إن "الجمهور العربي يقترب، يوماً بعد يوم، من الآلات الغربية وخصوصاً البيانو؛ إذ يمكن ملاحظة زيادة آلات البيانو في بيوتنا واهتمام الجيل الجديد بدراستها في المعاهد الموسيقية والمعاهد العليا". يُلاحظ صاحب "تسجيل دخول" حضوراً متزايداً للدمج بين الفنون الأدائية في الأعمال الفنية الحديثة، معترفاً بأن "بعضها، كان فعلاً للتعويض، أو لنقل: لخداع المشاهد وإلهائه عن ملل محتمَل من تقديم موسيقى آلاتية فقط".
لكن، بالنسبة إلى "وحْل"، يقول سليمان إن "السينوغرافيا المرافقة كانت حتمية؛ فالموسيقى، التي كتبُتها في الأشهر الأخيرة، لم تكن مقطوعات مستقلّة، وإنما موسيقى تصويرية تلائم فيلماً أو مسرحية أو قصّة ما".
يُضيف: "عرضتُ المسودّات الأولية على المخرج نزار زعبي، وقد اخترنا الموضوع العام للعمل واتجاهاته الفنية، وبعدها قمت بكتابة مقطوعة واحدة طويلة (60 دقيقة) مبنية من كورالات صوتية وبيانو، بينما كتب زعبي مشاهد تصويرية مسرحية استندت إلى الموضوع العام".
ما معنى أن يعمل الفنان الفلسطيني في مجتمع يتعرّض إلى تجريف مستمرّ من المشروع الصهيوني؟ يعتقد سليمان أن "التجريف يلعب لمصلحتنا نحن الفلسطينيين في الداخل المحتل، وقد يوفّر العملَ الدائم والمستمر على مقاطعة المؤسسة الإسرائيلية".
يوضّح: "عدا ذلك، ليس من الممكن خلق فن حقيقي وحر وغير مشروط من قبل أحد، وهذا ما يفعله الاحتلال باستمرار. وآمل أن لا يتوقّف عن فعل ذلك".
يضيف: "أكاد أكون متأكّداً أن الاحتلال لن يقطع إمداداته التافهة للمؤسّسات الفنية التي تنتج الأعمال العربية، وانما يريد تقزيمها وحصر وظيفتها بتجميل صورته وصورة الديموقراطية المزعومة أمام العالم فقط.. على كل المؤسّسات مقاطعة ورفض كل ما يأتي من المشروع الصهيوني والبحث عن بدائل عالمية أو محليّة".
رغم ذلك كلّه، ثمّة حراك وطني يرفده حراك فني في فلسطين المحتلة عام 1948. عن ممكنات ومشاكل هدا الحراك، يقول سليمان: "معظم الأعمال الفنية التي أُنتجت في فلسطين كانت متّصلة بالقضية الكبرى، وهذا طبيعي وواجب، وسيبقى إلى أن يزول الاحتلال. لكن، من شأن هذا الاتصال تهميش قضايانا الحياتية الإنسانية، حياتنا وُهبت كاملة للقضية، وهذا غير عادل، فكل منا، إلى جانب حياته تحت الاحتلال، يعيش حياة شخصية مليئة بقصص مثيرة لا تتطرّق لها فنوننا عادة"ً.
في العقود الماضية، أنتجت فلسطين أسماء أدبية أكثر مما أتجت أسماء موسيقية، وخصوصاً في التأليف الموسيقي. عن العلاقة بين التأليفين الموسيقي والأدبي، يقول: "على العلاقة بين أي تأليفيين أن تكون متقاربة، على اللغتين أن تكونا حديثتين ومتشابهتين في الشكل والمعاني واللون والتقنيات. تلتقي اللغتان عند إلغاء مركزيتهما، مقابل مركزيّة العمل الفني الشامل".
عن تأثير الأدب على تجربته، يقول صاحب "ثلاث خطوات": "عملتُ على نصوص أدبية كثيرة؛ منها لشعراء فلسطينيين. كان الاهتمام بالصورة النهائية للعمل النهائي المكوّن من الكلمة واللحن. العمل مع الكلمة يأتي بكتابات لحنية مختلفة عن تلك التي تُكتب للآلة، وقد يطرق أبواباً إبداعية مختلفة عن تلك الأبواب التي تفتحها الموسيقى الآلاتية، كما تكون مختلفة عن تلك التي تُنتج من العمل مع المسرح والسينما. هذه التجارب، في عدة مجالات، مهمّة لتكوين شخصية الموسيقي، كما أنها تساعده في اكتشاف ذاته الفنية".
اقرأ أيضاً: آلة الإيقاع ومآلاتها