لعل مقولة الشاعر والكاتب الروسي بوريس باسترناك "يحتفي الفنان دوماً بالجمال الذي لا بدّ أن يأخذ شكلاً ما"، هي أول ما يتبادر إلى ذهن من يطّلع على أعمال الفنان التشكيلي الأردني هاني علقم (1977)؛ ذلك أنه يحتفي بالجمال، سواءً اتخذ من الطبيعة شكلاً له، أو من المقاهي الشعبية، أو من العلاقات الإنسانية.
يهجس الفنان المولود في عمّان، بفكرة المكان. عن ذلك يقول: "علاقتي بالمكان مرهونة بحجم الرهبة التي يخلّفها في داخلي، أو حجم البساطة التي يكون عليها. أعدّ نفسي معنيّاً، بالأساس، بالمكان المُهمّش والعشوائي".
هكذا، يسعى إلى نقل الروح الحقيقية من المكان الملهِم إلى لوحاته، وتحديداً ما يتعلّق بأمكنته التي لا ينفكّ يتناولها: وسط البلد وعمّان الشرقية التي يرى بأنها "الجزء الحقيقي المتبقّي من المدينة"، مسبغاً على هذا التناول شيئاً من المبالغة حين يرصد نقطة ما، فيسلّط الضوء عليها. يقول: "قد تكون المبالغة في تصوير جزء من مكان ما، أو تفاعل الناس مع هذا الجزء".
ربّما تشكّل لوحة "مقهى الجامعة العربية"، التي يظهر فيها رأس النادل أكبر من رؤوس الموجودين، ومن تفاصيل المكان نفسه، مثالاً على ما ذهب إليه.
على الرغم من التصاقه بالمناطق العمّانية القديمة؛ مثل جبل اللويبدة وجبل عمّان، اللذين يشبّههما بعاشقين يتناجيان على مسمع وادي صقرة، فإن رحلاته إلى أصقاع العالم لا تتوقّف؛ إذ شارك في معارض عدة في مدن عربية ودول في أميركا الجنوبية وباكستان وإيرلندا وبريطانيا وأميركا؛ حيث أُقيم مؤخّراً معرض تحت عنوان "الحب والحرب".
وفي الأسابيع المقبلة، سيشارك في "بينالي نيويورك" و"بينالي ميامي". والهدف من ذلك، كما يقول، هو "إثراء التجربة الفنية بجمهور جديد ورؤى أوسع".
في كل مكان يحلّ فيه علقم، والذي تلقّى تعليمه في "معهد الفنون الجميلة" في عمّان منتصف التسعينيات، يبحث عن العنصر الأهم بحسبه، وهو "تفاعل الإنسان مع الأمكنة"؛ ذلك أنه يأخذ دوماً دور المراقب والمهتم بالنزعة السيكولوجية ولغة الجسد: "لا يوجد من بين عناصر الطبيعة كلّها من يتفوّق على الإنسان في التفاعلية والاحتكاك. الإنسان الكادح هو الأكثر حضوراً في لوحاتي. ومؤخّراً ظَهَر إنسان الثورات العربية بتناقضاته، سواءً كان ثائراً أو مسؤولاً أو رجل دين".
ملامح علقم لا تنفكّ تظهر في لوحاته، تارة من خلال العينين وتارة الأنف، وفي مرّات أخرى الشعر وشكل الرأس. وفي كل مرة يعمل على تضخيم ملمح ما؛ لنقل انطباع الحيرة أو الخوف أو الألم أو التحدي أو الفضول، وأحياناً يدمج ملامح الإنسان وهيئته بالحيوان، مؤنسناً إياه، وجاعلاً مكوّنات الطبيعة كلّها متساوية في حجم الخسارات والآلام والتهميش.
يستخدم علقم تقنيات قلم الرصاص والأحبار والألوان الزيتية والأكريليك، وتنطلق فكرة لوحاته من "التجربة البصرية، سواءً كانت ملهمة بجمالياتها أو بقبحها".
يعدّد التشكيلي الأردني عناصر نجاح أيّ فنان: "العمل الدؤوب والنزعة نحو المغامرة وعدم الركون إلى منطقة أمان والاكتفاء بها، ولو أثبتت نجاحها، قليل من المكر وكثير من الفكر المنفتح، عدم الالتفات إلى معياري المألوف واللامألوف".
يضيف: "الاطّلاع على تجارب الفن العالمية، وإن كانت منتمية إلى ثقافة فكرية مغايرة، وأن يكون التأثير على صعيد التحفيز لا المحاكاة"، متابعاً أن أكثر من يخاف التأثّر به هو الفنان والنقّاش الإسباني فرانشيسكو غويا.
عمل علقم في مستهلّ مسيرته في "المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة" كمشرف ومدرّب للغرافيك والطباعة، ويشرف الآن ويُدرّس في محترف فني لذوي الاحتياجات الخاصة. يرى أن مسؤولية الفنان "تنتهي بمجرد أن يُنهي لوحته"؛ إذ ليس مسؤولاً عن الاحتفاء الجماهيري ولا التفات النقّاد ولا التغطيات الإعلامية.
يوضّح: "لكلٍ منا دور. لا يمكن للفنان أن يقوم بالأدوار كافة. عليه إنجاز عمله الفني، ومن ثم تسليم العُهدة إلى القائمين على القطاعات الأخرى".
يمرّ الفنان بحالات مزاجية مختلفة خلال عام كامل أو أكثر، بحسب المدة الزمنية التي تفصل بين معرض وآخر، كما يخوض تأملات عدّة، ما يفضي إلى تنوّع في الثيمات المتناولة ودرجات اللون وأحجام اللوحات وهكذا.
يقول علقم، في معرض حديثه عن عدم وجود إطار واضح ومحدّد للفنان التشكيلي؛ "هذه الممارسة ترتكز إلى عوامل عدّة منها الإلهام والمزاج الشخصي والتجارب والرؤى الخاصة".
يشكو علقم، الذي أقيم معرضه الشخصي الأول في العام 2002 في "غاليري زارا"، من شحّ المعرفة الفنية لدى القائمين على المشهد الإبداعي الأردني.
كما يعترف بأن "الفن غير مجدٍ مادياً"، غير أنه يستدرك "هذا مطبّ بحدّ ذاته، كثيراً ما يقع فيه الفنان. عليك أن ترسم، إن كنت فناناً حقيقياً، سواءً كان ذلك ذا جدوى مادية أم لا". يضيف: "تفرّغت للفن، وبرمجت حياتي على دخل بسيط، وأحلام أبسط".