في معرض "أوقات الذروة" الذي أقيم في "غاليري السعدي" في قرطاج واختتم مؤخراً، يلتقط الفنان التشكيلي التونسي طارق فخفاخ لحظة متحركة وصاخبة ليحيط بالكثير من الأفكار حول الحياة العامة، معتمداً على ألوان قوية وخطوط تنقل المتلقي إلى لحظة تبدو في آن مفارقة وملتصقة بالواقع.
يقول صاحب المعرض في حديث إلى "العربي الجديد": "هذا المشروع عبارة عن فكرة صباحية. كثيراً ما أجلس في الصباح في المقاهي، وأرى ذلك الازدحام والحركية في الشوارع من موقعي الهادئ. نظرت إلى الناس على الرصيف والسيارات في الشوارع وأصوات الحركة كألوان تتنقل بسرعة، هذه الفكرة اعتبرتها قابلة للتجسيد في معرض، وبحثت عن سبل فنية للتعبير عن التدافع بين الأشخاص بتداخل الأشكال والألوان".
ما وراء هذه النظرة، يحيلنا فخفاخ إلى ما هو أبعد، يقول: "ثمة سؤال أكبر أردت طرحه: أين نحن ذاهبون بهذه السرعة؟". يضيف "لقد وجدت أن الجميع منهمك في عملية الركض في ساعات الذروة، من كل الفئات والطبقات الاجتماعية، وكأن كل البلاد تركض".
مثل معارض سابقة، تبرز في لوحات فخفاخ الألوان الزاهية. ربما تبدو بعيدة من حقيقة "أوقات الذروة"، وواقعها وحتى من ألوانها، إلا أن الفنان التشكيلي التونسي يستشهد هنا بعبارة مارك شاغال حين يقول "أنا موجود كي أزين هذا العالم".
هكذا يقر فخفاخ بأن اختياره للألوان لا يخلو من قصدية أصرّ عليها، إذ يعتبر أن الظاهر من الوقائع اليومية يحيل إلى التشاؤم من عمليات إرهابية أو صعوبات اقتصادية أو انتشار جريمة، لكن دور اللوحة بالنسبة له، هو أن تقدّم شيئاً من المرح وتضرب روتينية البؤس، خصوصاً أن هذا البؤس هو الآخر ليس بحقيقة مطلقة.
في السياق نفسه يقول فخفاخ: "أنا مقتنع أن الناس حين تأتي إلى معرض تريد نظرة أخرى للأشياء، لا تريد تكرار ما تراه بأعينها في الشارع وفي الحياة. أرى أن دور اللوحة، وكذلك دور الأغنية أو غيرها من الأشكال الفنية الأخرى، هو إمداد الناس بهذا البعد الآخر".
درس فخفاخ الفنون الجميلة في فانكوفر الكندية، والتي استقر فيها من 1988 إلى 2003. يقدّم مقارنة بين عالمين إذ يرى أن هناك مستويات مختلفة على صعيد ثقافة الفن ومساحة الجمهور؛ المحب للفن من جهة، والمقتني للأعمال من جهة ثانية، كما يشير إلى أن هناك شبكة علاقات ينبغي أن تحيط بعالم الفن من وكلاء أعمال وأصحاب غاليرهات وفنانين وغيرهم، وهنا يشير بالخصوص إلى افتقار الساحة إلى نقّاد فنيين في ما عدا قلة لا يمكنها أن تصنع ذلك الرابط بين الجمهور والفن.
من هذه المقارنة يستقرئ شيئاً عن وضع الفن التشكيلي في تونس، بداية من عملية تسويق الفن التي ظلت هامشية وعشوائية، وصولاً إلى كون الغاليرهات لم تتحوّل إلى فضاء قريب من المواطنين مثل دور السينما مثلاً. لكنه من جهة أخرى يلاحظ أن هناك انفتاحاً من قبل الجمهور في السنين الأخيرة على الفن التشكيلي منذ أن صارت ثقافته مشاعة عبر الإنترنت.