تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى العربية. "أُحاول أن اُرَوِّض نزعة الكاتب في داخلي حتى لا تدفعني إلى إضافة شيء في الترجمة غير موجود في الأصل"، يقول المترجم المصري في لقائه مع "العربي الجديد".
■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟ وما أول كتاب ترجمته وكيف جرى تلقّيه؟
بدايةً، وقبل أن أتعلّم اللغة التركية، كنتُ أشعر دائماً وأنا صغير بميلٍ إلى الترجمة بين اللغات المختلفة، وكان لديَّ فضول للتحدُّث مع من هو غير عربي، والترجمة لمن حولي من الأصدقاء عمّا دار بيننا من حديث، وكانت لديَّ رغبة أيضاً في معرفة ما تحتويه المواقع الأجنبية من معلومات إخبارية أو معرفية. أمّا عن أوّل كتاب ترجمتُه فكان "الشجرة النعمانية في الدولة العثمانية" لمحيي الدين بن عربي، وقام بشرحه صدر الدين القنوي تحت عنوان "الدرر اللّامعة". أُلّف الكتاب بطريقة صعبة، اعتمد فيها ابن عربي طريقةً يصعب على القرّاء العاديّين فهمها، وأُسنِد إليَّ هذا العمل بعدما تُرجم بطريقة سيئة لم يستسغها الناشر، فقمتُ بترجمته مع صديق تركي.
■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟
آخر ما قمتُ به من ترجمة هي مسرحية "الصفقة" لتوفيق الحكيم. أُسند إليَّ هذا العمل من قبل "كلية الإلهيات - دراسات إسلامية وعربية" بجامعة إسطنبول، وهو قيد النشر. كما أقوم حالياً بترجمة كتاب "أكتب لنفسي ما يمكن أن تعتبره لك" من اللغة التركية للكاتب التركي فيض الله سنماز - القنيوي، وهو عملٌ دوّن فيه خواطره التي يعاتب فيها الأمّة، متألّماً ممّا آلت إليه أحوالها.
■ ما العقبات التي تواجهك كمترجم من اللغة العربية، وكمترجم إليها؟
العقبة الوحيدة التى تواجهني كمترجم هي عدم التفرغ الكافي لإيجاد الوقت الذي يُمكّنني من إنجاز الترجمة في فترة قياسية. فعملي كمدرّس للغة العربية في إحدى المدارس التركية، وشرحي للدروس باللغة التركية، يقوّي لغتي الثانية، لكنه في نفس الوقت يشغلني عن الترجمة، إلى جانب انشغالي بالماجستير الذي حصلت عليه حديثاً من قسم الحديث في "كلية الدراسات الإسلامية" (جامعة إسطنبول)، وكان باللغة التركية حول المحدّث عبد الرحمن بن مهدي، المتوفّى عام 198 هجرية، بالإضافة إلى عملي في الترجمة الشفوية بمراكز الشرطة وبالمحاكم التركية وترجمات المستندات القانونية، وكل هذا يُصعّب عليَّ إيجاد الوقت الكافي لإنجاز ترجمات للكتب العربية أو التركية، لكنّني أتمنّى اجتياز هذه الصعوبات مع الوقت.
■ نلاحظ أن الاهتمام يقتصر على ترجمة الأدب العربي وفق نظرة واهتمام معينين، ولا يشمل الفكر وبقية الإنتاج المعرفي العربي، كيف تنظر إلى هذا الأمر وما هو السبيل لتجاوز هذه الحالة؟
أعتقد أن اهتمام دور النشر بترجمة نوع معيّن من الأدب العربي، وتركيزها عليه، يأتي على حساب بقية المعارف والعلوم، كما يحدث الآن مثلاً في الإقبال على ترجمة الأدب وخصوصا الرواية، وإهمال جوانب الإنتاج المعرفي العربي الأخرى. لذلك، من المهم أن تحاول دور النشر كسر هذا الجمود بفتح الباب للترجمات الأخرى، حتى يتجرّأ المترجم على التنقيب والتجوّل بحرية في التاريخ والعلوم الإنسانية والدينية أيضاً، دون أن يراوده القلق من قبول دور النشر هذا النوع من الترجمة أم لا.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
لا شك أن الناشر يؤثّر بشكل أو بآخر في ما يجري اختياره من عمل للترجمة، لأن المترجم لا يمكنه أن يُرغم الناشر على قبول عمل ما. لذلك ينبغي أن تكون علاقة المترجم بالناشر قائمة على وفاق وتَفهُّم لطريقة وهدف الطرفين، فكما أن الناشر هدفه الأول جني الأموال، ووصول المبيعات إلى أكبر رقم ممكن، فإن ما يهم المترجم في المقام الأول جودة الترجمة، واستحسان القارئ للعمل. أمّا بالنسبة لاختيار عنوان العمل المترجم، أو الذي سيتم ترجمته، فأنا أستحسن أن يكون بعد نهاية الترجمة، وبعد تكوين فكرة عامّة أو بعد الوصول للهدف الأساسي، الذي أراد أن ينقله الكاتب للقارئ، وبعد ذلك لا بأس باختيار اسم آخر، قد يكون مختلفاً عن الاسم الأساسي للعمل المُتَرْجَمِ - إذا ما أخذنا بالاعتبار أن الكاتب قد لا يُوفَّق في اختيار الاسم - يتّفق عليه المترجم والناشر، فينبغى أن يُطلق العنان للناشر في هذه المسألة، لا سيما إذا كان هو من طرح أو اقترح العمل الذي سيُترجمه.
■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
أولاً، لابدّ أن نفرّق بين المترجم ومحقّق الكتاب، فالكاتب مُؤتمَن على العمل الذي يقوم بترجمته في إيصال فكرة الكاتب دون زيادة أو نقصان، وليس من حق المترجم أن يأتي بما لم يقصده الكاتب من قريب أو من بعيد. قد أختلف مع الكاتب سياسياً أو أيديولوجياً لكنّني أحترمه كإنسان، وينبغى أن أكون أميناً في ما أنقل عنه. وفي الحقيقة لا تشغلني كثيراً المواقف السياسية للكاتب، بل ما يشغلني في المقام الأول، هو الطرح المقدّم وقيمة العمل، هل هو حقّاً يستحقّ عناء الترجمة؟ أم أنه عمل صنعه الكاتب بدون أي حِرَفِيّة، ولا يحتوى على أي لون فكري يجعل القارئ مستمتعاً به عند القراءة، هذا هو الأهم من وجهة نظري.
■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟
قد تنشأ صداقة لكاتب وافته المنية مع مترجم وُلد بعد تاريخ وفاته، وهذا بسبب كثرة ما نقل المُترجم عنه، فكل عمل للكاتب نتعرّف فيه على لون معيّن من حياته، ويتعرّف المُترجم ويقترب أكثر من الكاتب كلّما تعدّدت ترجماته له. ولكن هذه ليست قاعدة ثابتة لكل من نُترجم لهم، فقد نقوم بترجمة بعض الأعمال، لرصد معلومة ما، ولا ننشغل وقتها بشخصية الكاتب ويقتصر انشغالنا بالمعلومة المقصودة أو التحليل المُسْتهدَف.
■ كثيراً ما يكون المترجم كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
المترجم قد يكتسب مهارة الكتابة ممّن يترجم لهم، لأن المترجم يكتسب أسلوب النص المكتوب من الغوص في غمار النصوص والاستغراق في التفكير في عبارات الكاتب. لذلك أعتبر أن المُترجِم قد يحلّل النصوصَ ويصل بها إلى فهمٍ يفوق فهم القارئ؛ فالقارئ قد يمرُّ على عبارة دون تكرارها، وهذا نادر في حالة المُترجِم الذي يعيد ويكرّر حتى النصوص المفهومة والسهلة لَعلّه أخطأ في فهم عبارة ما. نعم تُوجد نزعة الكاتب داخلي، لكنِّى أُحاول أن اُرَوِّضُها، حتى لا تسوقني إلى إضافة شيء في الترجمة، غير موجود في أصل العمل، لكن هذه النزعة مهمّة في جعل الترجمة سلسة، متناسقة، كأنها كُتبت بقلم الكاتب الأصلي، حيث لا ينزعج القارئ من الترجمة.
■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معيّنة في الترجمة؟
الدقّة في اختيار العمل من الأمور المهمّة. أميل كثيراً إلى ترجمة كتب ومقالات التاريخ، والعلوم الإنسانية والإسلامية بوجه عام، ولي عادة في الترجمة، وهي أنني أحمل الكتاب الذي أود ترجمتَه مع قلم رصاص، وأقرأ في المواصلات العامة، وأضع الترجمة فوق أو تحت عبارات الكتاب، لكي لا يذهب الوقت سُدى.
■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
حقيقة لا أتذكر أنني ندمت في يوم ما على ترجمة كتاب، أو نص، ربما لأني أعتبر نفسي مبتدئاً، لكني مستمرٌ في هذا الطريق، أحاول بشتى الطرق الوصول إلى ذروة هذا الجبل الخِضَم الصعب، بالتطوير في الأساليب وبقراءة كل ما هو جديد.
■ ما الذي تتمنّاه للترجمة من اللغة العربية وإليها، وما هو حلمك كمترجم؟
أتمنّى أن تصل العلوم العربية والإسلامية إلى اللغة التركية، بالفكرة العربية نفسها وبنفس غنى هذه اللغة من معانٍ وأفكار، بالإضافة إلى الأعمال الأدبية العربية المهمة.
■ ما هي المزايا الأساسية للأدب العربي ولماذا من المهم أن يصل إلى العالم؟
أرى أن الأدب العربي غني وعريق قياساً بآداب أخرى، والأدب هو الطريق لمعرفة الشعوب، فلا يمكن لك أن تتعرّف على شعب ما، معرفة حقيقية، إلّا بدراسة آدابه والتعرّف عليها، بل إن الطريق لترويج دراسة اللغة العربية وعلومها، يَكْمُنُ في نقل أدبها إلى الآخرين عن طريق الترجمة، فهي الباب الوحيد - خصوصاً إذا أردنا نقل هذا الأدب لغير العالم الإسلامي - لكسر الجمود لغير الناطقين باللغة العربية، إذا ما أرادوا أن يتعرّفوا أو يقرأوا عن الأدب العربي.
بطاقة
مترجم مصري من مواليد أسيوط سنة 1985، حاصل على ماجستير في "الدراسات الإسلامية" من "جامعة إسطنبول" بتركيا حيث يُقيم منذ 2011. من ترجماته: "الشجرة النعمانية في الدولة العثمانية" (الصورة)، لابن عربي (2018)، و"لباب العقول في الردّ على الفلاسفة في علم الأصول" للمكلاتي (2019)، كما ترجم مسرحية "الصفقة" لتوفيق الحكيم (تحت الطبع)، ويعمل حالياً على ترجمة كتاب "أكتب لنفسي ما يمكن أن تعتبره لك" لفيض الله سنماز.