لعل الشاعر هوبير ليكو (1935- 2017) الذي رحل منذ أيام في باريس بعيداً عن ضوضاء الإعلام يختزل مآل الراهن الشعري الفرنسي. شعرٌ يعيش على حافة الهامش عن قناعة ومن دون ادّعاءات جمالية أو أيديولوجية، ومن حين إلى آخر تصدر عنه ومضات خاطفة تبدو أحياناً كأنها حشرجات لكائن محكوم عليه بالانقراض.
نشر ليكو كتابه الشعري الأخير "وعي" في 30 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وغادر الحياة في 17 من الشهر الجاري. ترافق صدور "وعي" مع فيديو قصير بنفس العنوان نشرته مؤسسة "POL" على موقعها يظهر فيه ليكو ممدّداً على سرير المرض في الرابع من كانون الأول/ ديسمبر. تحدّث ليكو في الفيديو عن كتابه ومرضه وعن طقوس الكتابة وعن مشاهداته اليومية في شوارع باريس. كان يتحدّث بنبرة عادية لمُحاوِره وصديقه جان بول هيرش تتخلّلها بعض الحماسة أحياناً، ولا تحمل أية نبرة من الشكوى الجنائزية التي ترافق الوصايا الممّهدة للموت عادةً.
تحدّث ليكو عن الموت تحديداً الذي خطف زوجته قبل بضع سنوات ووصفه بأنه "قوة نظرية" و"آلة لإفراز الأحاسيس". وبما أنه رواقي المبدأ فـ"مرحى بالموت"؛ إنه سيكون حتماً حاملاً لـ"أحاسيس بهيجة".
وُلد هوبير ليكو في باريس، وهو ابن المخرج التلفزيوني روني ليكو. مارس الكتابة في سن مبكّرة ولكنه انتظر طويلاً قبل أن ينشر قصائده في مجموعته الأولى، وهو في الخامسة والأربعين من عمره، علماً أن النشر كان في متناوله إذ كان مديراً للنشر في دار "هاشيت" ويشتغل في ميدان يضجّ بالكتّاب والشعراء. نشر بعد ذلك عدّة كتب شعرية ابتداء من منتصف الستينيات وخالط لفترة جماعة "تيل كيل" الأدبية، خاصة جان ايدرنالييه وما لبث أن عاد إلى عزلته.
عام 1970 كتب "الغرّاف الكبير"، وهو عبارة عن صفحة ضخمة من 12 متر مربع تتجاور فيها مئات الجُمل وتختلط ببعضها البعض. حسب ليكو فإن "الغراف" تقنية تعتمد على الجمع في فضاء نصّي واحد بين القصيدة والرواية واليوميات. وعُرض هذا العمل في متاحف عديدة كما وُضع مدة عام كامل على حائط محطة ميترو الشانزيليزيه في باريس في 1990.
تَعوَّد ليكو على الكتابة في دفاتر صغيرة لا تفارق جيبه. يدوِّن فيها مادة خام من الحياة اليومية التي يرصدها في تجواله عبر شوارع باريس وأزقتها راجلاً أو راكباً الباص: يسجّل بدقّة الأشياء التي يرى والجمل التي تتناهى إلى مسامعه وعناوين الصحف وجُمل الإعلانات، كما يسجّل الذكريات التي تطفو على السطح والأحاسيس العابرة التي تنبثق بالصدفة.