الكتابة عن اللاجئين والمهاجرين في فرنسا ليست بالأمر الجديد، لكن المحنة السورية منحتها دفقًا إضافيًا، إن بسبب مأساويتها أو بسبب حجمها الكبير. ومن هنا يمكن النظر إلى كتاب "اجتياز البحر"، الصادر حديثًا عن دار "لوكس" بكندا سنة 2016، وهو ترجمة فرنسية للكتاب الذي صدر باللغة الألمانية للصحفي الألماني فولفغانع بايير، الحاصل على دبلوم من جامعة توبينغن في الدراسات الإسلامية والتاريخ والجغرافيا، وهو صحفي مستقل، أنجز تحقيقات في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط. وحاز في أكتوبر/ تشرين الأول 2015 جائزة جان مارين التي تمنح لمراسلي الحروب عن ريبورتاج عن اللاجئين السوريين.
نصوص كثيرة وصور مقلقة
النصوص التي تتطرق لموضوع اللاجئين كثيرة جدًا، منها: "مرحبا بكم في كاليه"، لماري فرانسوا كولومباني 2016، و"لاجئون يمكن التخلص منهم" لـلكرواتية رادا إيفيكوفيتش 2016، الذي يتطرق لنظرة الأوروبيين إزاء اللاجئين التي يمكن أن تختلف حسب الظروف. وهكذا حين ظهرت فظاعات الحرب في سورية في صُوَرِها العارية، استيقظ الضمير الأوروبي. ورغم ثقل الكليشيهات والانحدار السياسي المُعمَّم في أوروبا، حيث يهتز الرأي العام لدى أدنى زلزال إعلامي، تحرك الناس في فرنسا وفي بلدان أخرى من أجل استقبال هؤلاء اللاجئين الذين يزداد عددهم. وإزاء هذا الوضع غير المسبوق تحركت بعض الحكومات للبحث عن حلول للمساعدة، في حين أغلقت حكومات أخرى حدودها ولم تتردد في إرسال حرس الحدود المسلحين ضد هؤلاء اللاجئين التائهين، بينما فجرت ألمانيا مفاجأة كبرى بإظهار نفسها الدولة المانحة لكلّ شيء.
كما يمكن قراءة كتاب "أولئك هُم نحن"، (النص لدانييل بينارك والصور لسيرج بلوش)، الموجه للأطفال ليشرح لهم لماذا يجب مد اليد للاجئين. جاءت فكرة الكِتاب، الذي كان ثمرة تعاون عدة ناشرين، بسبب انتشار صور مقلقة، ولا تخلو من عنف، للاجئين، خاصة سوريين هاربين من الحرب، وهم يتسلقون الأسلاك الشائكة في اتجاه أوروبا. ولأول مرة في فرنسا، اتفق الناشرون المتخصصون في كتب الناشئة، بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الطفل، على إصدار هذا الكتاب. وكانت رغبة الناشرين واضحة في إبداء التضامن مع اللاجئين، في وقت أظهر فيه استطلاع للرأي أن 55 في المائة من الفرنسيين يعارضون أي تخفيف لشروط استقبال اللاجئين في فرنسا، رغم الصدمة التي أثارتها صورة الطفل السوري الغريق، عيلان. وذكّر الكاتب دانييل بيناك بكل الذين عرفت فرنسا كيف تستقبلهم عبر تاريخها، من الأرمن مطلع القرن والإسبانيين والإيطاليين والبولونيين في ثلاثينات القرن الماضي، والبرتغاليين في خمسينات القرن الماضي، والجزائريين والتونسيين والمغاربة والأفارقة في ستينات القرن الماضي، والتشيليين والأرجنتينيين في سبعينات القرن الماضي، والفيتناميين في ثمانينات القرن الماضي: "جميع لاجئي القرن العشرين، الذين كانوا في كل مرة محلّ مبالغة في عددهم، هُم من يُشكّل معنا، فرنسا اليوم". وكانت الطبعة الأولى في حدود 70 ألف نسخة، بثمن 3 يورو، يعود ريعها لجمعية "سيماد"، التي تقدم المساعدة للاجئين وطالبي اللجوء.
كما يجب التذكير بكتاب "في جلد مهاجر. من بيشاور إلى كاليه"، تحقيق حول "العالم الخامس"، للصحفي أرثر فرايير- لاليكس، الصادر عن دار فايار، 2015. وهو توصيف مؤلم لشرط المهاجر. فالشعور المهيمن على الكتاب، هو الدوار أمام بئر لا قرار لها، وأيضًا شعور العجز. ينتهي الكتاب بوصول المؤلِّف إلى مدينة دورتموند، صحبة لاجئ أفغاني، التقى به قبل سنتين في إسطنبول، وركب قاربًا في إزمير. وقضى سبعة أشهر في السجن باليونان، ثم اختبأ في شاحنة، حملتها سفينة إلى إيطاليا. ومن مدينة ميلانو استقل القطار إلى باريس. وفي الطريق نحو النرويج، عبر هامبورغ، أوقفته الشرطة الألمانية. أقام في مأوى، وحصل على رخصة إقامة لخمسة أشهر، ثم دخل في السرية من جديد: "سجين هذا العالَم غير المرئي"، وهذا "العالم الخامس". أي هذه العودة إلى البداية الأبدية.
الكتب التي تتطرق لهذا الموضوع عديدة وفي ازدياد، ويستحيل التطرق إليها جميعًا، وإن كان بعضها يحمل عناوين صادمة أو يلقى بعض نجاح، ككتاب وازي محمدي: "من كابول إلى كاليه"، وفيه حديث عن شهور من السفر الرهيب قبل الوصول إلى كاليه، حيث توجد أغلبية أفغانية، وانتظار الأمل في الوصول إلى البر البريطاني. وفي نفس الموضوع كتاب: "أنا بشتوني من أفغانستان" عن لاجئ شاب للكاتبة ليزا فيتّوري.
اقــرأ أيضاً
اجتياز البحر، استعارة سورية؟
الكتاب الذي بين أيدينا "اجتياز البحر"، مختص بالمهاجرين السوريين الذين يريدون الوصول أوروبا عبر البحر، هو جزءٌ من هذا الأدب الجديد الذي ينتشر في فرنسا، ويمتلك جمهوره الخاص، ولكنه لا يزال جمهورًا نخبويًّا. وحين سأل "ملحق الثقافة" مسؤول مكتبة "فولي دونكر"، الذي يكرس حيزًا لكتب مماثلة عن رواج الكتاب من عدمه، اعترف بأن مبيعات من هذا النوع من الكتابة ليست مرتفعة: "نحو عشرة في الشهر من كافة الكتب المعروضة". وأضاف بأنه "يبدو لنا وجود نوع من الإشباع في هذا المجال". ورغم صور اللاجئين والغارقين وخاصة الطفل عيلان، فإن الفرنسيين، يقول لنا المسؤول، وهو أيضًا مدير دار نشر تحمل اسم المكتبة، بأن "التضامن يظل معنويًا، وأن فرنسيين قلائل يشترون هذه الكتب". ولم يفته أن يُذكّر بالدور الكبير الذي تلعبه المنظمات والجمعيات المهتمة بشؤون اللاجئين في الترويج لهذه الكتب، كالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين وسيماد و"أطباء بلا حدود" وغيرها.
السؤال نفسه طرحناه على مسؤول في سلسلة مكتبات "جيبيرت جوزيف" Gibert Joseph، التي تعدّ من أهم مسوقي الكتب في فرنسا إلى جانب مكتبة الـ "فناك": "هذه النسخة من كتاب "اجتياز البحر"، التي اشتريتهَا، هي النسخة الرابعة التي باعتها الدار إلى الآن في فرنسا كلها". وأضاف بأن "ما يحدد أو يساعد على المبيعات، هو الترويج لها عبر برامج مؤثرة في التلفزيون وفي كبريات الصحف والمجلات. وبما أن الصحافة تبحث دائمًا عن الإثارة والانفعالات، فإن موضوع اللاجئين لم يعد شغلها الشاغل، رغم الكوارث وحالات الغرق المتواصلة في البحر المتوسط وبحر إيجه، ورغم صدور كتب تتناول الموضوع".
اللاجئون ورقة سياسية
ولا يعني هذا أن الفرنسيين لا يتحدثون، بما يكفي، عن اللاجئين. بل إن المؤسف، كما يقول لـ "ملحق الثقافة" عالم الاجتماع الفرنسي قدور زويلاي، هو أنه "مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الفرنسية، بدأنا نرى تركيز اليمين بشقيه التقليدي والمتطرف، على الحديث عن اللاجئين، ليس من باب مساعدتهم وإيوائهم، بل من باب التذكير بأن فرنسا غير قادرة على استقبال لاجئٍ واحد إضافي"، وأضاف أن هذا النوع من الخطاب ليس بعيدا عن بعض الاشتراكيين أنفسهم: "الذين يعترفون بأن فرنسا ليست قادرة على استقبال بؤس العالَم". لم ينس زويلاي التذكير بأن العمليات الإرهابية التي عرفتها فرنسا وبلجيكا "أذكت نوعًا من الخلط بين الإرهاب واللاجئين. وهو ما يعود سلبًا على النظرة التي ينظر بها الفرنسيون إلى هؤلاء القادمين الجدد". كما أن "بعض الاعتداءات الجنسية التي عرفتها كولونيا، واستغلتها تيارات واسعة في اليمين، وحتى بعض الكتّاب العرب في الغرب، قبل التحقّق "القضائي" من حقيقتها، ساهم في تشويه صورة المهاجرين واللاجئين".
وغير بعيد عن هذا الموقف اعترف لنا مدير مكتبة ودار النشر "كارتالا"، بأن نشر هذا النوع من الكتب ليس بعيدًا عن "العمل النضالي"، أي نوع من الانسجام الأخلاقي مع النفس، في وقت كثر فيه الحديث عن الأزمة الاقتصادية وينتشر فيه القَلق من الآخر. وهذا الانسجام الأخلاقي مع النفس، هو ما تعبر عنه صحيفة "لاكَروا"، التي تكرّس باستمرار مواضيع ترحب باستقبال الغريب وتقديم العون له، انسجامًا مع خطها المسيحي، وأيضًا وفاءً للمفكر والفيلسوف الفرنسي الراحل بول ريكور، الذي كرّس نصوصًا رائعة للغريب واستقباله والوقوف معه في محنه.
ثمة أشياء كثيرة يجب أن نفعلها من أجل اللاجئين، يقول لنا الباحث والأكاديمي الفرنسي، هنري دي لاهوغ، من جامعة إيسي لي- مولينو، وأحد الفاعلين في الحوار المسيحي الإسلامي. و"لا ينحصر الأمر في استقبال اللاجئ وإيوائه، فقط، بل، وأيضًا، في محاورته والانفتاح عليه، فهو يظلّ أخًا لنا".
هذه الأخوّة هي ما يحتاجه فعلًا، وفي بلد "الحرية والمساواة والأخوّة" الغريبُ واللاجئ والمهاجر، ليس فقط، في تقديم العون المادي له، بل في قراءته والإنصات له ومشاركته همومه وهواجسه.
يتذكر الكاتب فولفغانغ بايير، في نهاية كتابه "اجتياز البحر"، صديقًا له، محمد، الشقيق الأكبر لعلاء وحسام، الذي قضى وهو يحاول عبور المتوسط، فيكتب، رغبة منه في ألّا ينساه، رغم عدم إبداء حماسة غربية في البحث عن جثمانه: "لأن الأمر لا يتعلق بمسافرين غربيين في طائرة هوت في المحيط الهندي. هم أناس في وضعية غير قانونية اخترقوا القوانين بحثًا عن مستقبل أفضل لهم ولعائلاتهم، هم كائنات بشرية من دون أوراق ثبوتية، ولا أحد يعرف أسماءهم".
اقــرأ أيضاً
نصوص كثيرة وصور مقلقة
النصوص التي تتطرق لموضوع اللاجئين كثيرة جدًا، منها: "مرحبا بكم في كاليه"، لماري فرانسوا كولومباني 2016، و"لاجئون يمكن التخلص منهم" لـلكرواتية رادا إيفيكوفيتش 2016، الذي يتطرق لنظرة الأوروبيين إزاء اللاجئين التي يمكن أن تختلف حسب الظروف. وهكذا حين ظهرت فظاعات الحرب في سورية في صُوَرِها العارية، استيقظ الضمير الأوروبي. ورغم ثقل الكليشيهات والانحدار السياسي المُعمَّم في أوروبا، حيث يهتز الرأي العام لدى أدنى زلزال إعلامي، تحرك الناس في فرنسا وفي بلدان أخرى من أجل استقبال هؤلاء اللاجئين الذين يزداد عددهم. وإزاء هذا الوضع غير المسبوق تحركت بعض الحكومات للبحث عن حلول للمساعدة، في حين أغلقت حكومات أخرى حدودها ولم تتردد في إرسال حرس الحدود المسلحين ضد هؤلاء اللاجئين التائهين، بينما فجرت ألمانيا مفاجأة كبرى بإظهار نفسها الدولة المانحة لكلّ شيء.
كما يمكن قراءة كتاب "أولئك هُم نحن"، (النص لدانييل بينارك والصور لسيرج بلوش)، الموجه للأطفال ليشرح لهم لماذا يجب مد اليد للاجئين. جاءت فكرة الكِتاب، الذي كان ثمرة تعاون عدة ناشرين، بسبب انتشار صور مقلقة، ولا تخلو من عنف، للاجئين، خاصة سوريين هاربين من الحرب، وهم يتسلقون الأسلاك الشائكة في اتجاه أوروبا. ولأول مرة في فرنسا، اتفق الناشرون المتخصصون في كتب الناشئة، بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الطفل، على إصدار هذا الكتاب. وكانت رغبة الناشرين واضحة في إبداء التضامن مع اللاجئين، في وقت أظهر فيه استطلاع للرأي أن 55 في المائة من الفرنسيين يعارضون أي تخفيف لشروط استقبال اللاجئين في فرنسا، رغم الصدمة التي أثارتها صورة الطفل السوري الغريق، عيلان. وذكّر الكاتب دانييل بيناك بكل الذين عرفت فرنسا كيف تستقبلهم عبر تاريخها، من الأرمن مطلع القرن والإسبانيين والإيطاليين والبولونيين في ثلاثينات القرن الماضي، والبرتغاليين في خمسينات القرن الماضي، والجزائريين والتونسيين والمغاربة والأفارقة في ستينات القرن الماضي، والتشيليين والأرجنتينيين في سبعينات القرن الماضي، والفيتناميين في ثمانينات القرن الماضي: "جميع لاجئي القرن العشرين، الذين كانوا في كل مرة محلّ مبالغة في عددهم، هُم من يُشكّل معنا، فرنسا اليوم". وكانت الطبعة الأولى في حدود 70 ألف نسخة، بثمن 3 يورو، يعود ريعها لجمعية "سيماد"، التي تقدم المساعدة للاجئين وطالبي اللجوء.
كما يجب التذكير بكتاب "في جلد مهاجر. من بيشاور إلى كاليه"، تحقيق حول "العالم الخامس"، للصحفي أرثر فرايير- لاليكس، الصادر عن دار فايار، 2015. وهو توصيف مؤلم لشرط المهاجر. فالشعور المهيمن على الكتاب، هو الدوار أمام بئر لا قرار لها، وأيضًا شعور العجز. ينتهي الكتاب بوصول المؤلِّف إلى مدينة دورتموند، صحبة لاجئ أفغاني، التقى به قبل سنتين في إسطنبول، وركب قاربًا في إزمير. وقضى سبعة أشهر في السجن باليونان، ثم اختبأ في شاحنة، حملتها سفينة إلى إيطاليا. ومن مدينة ميلانو استقل القطار إلى باريس. وفي الطريق نحو النرويج، عبر هامبورغ، أوقفته الشرطة الألمانية. أقام في مأوى، وحصل على رخصة إقامة لخمسة أشهر، ثم دخل في السرية من جديد: "سجين هذا العالَم غير المرئي"، وهذا "العالم الخامس". أي هذه العودة إلى البداية الأبدية.
الكتب التي تتطرق لهذا الموضوع عديدة وفي ازدياد، ويستحيل التطرق إليها جميعًا، وإن كان بعضها يحمل عناوين صادمة أو يلقى بعض نجاح، ككتاب وازي محمدي: "من كابول إلى كاليه"، وفيه حديث عن شهور من السفر الرهيب قبل الوصول إلى كاليه، حيث توجد أغلبية أفغانية، وانتظار الأمل في الوصول إلى البر البريطاني. وفي نفس الموضوع كتاب: "أنا بشتوني من أفغانستان" عن لاجئ شاب للكاتبة ليزا فيتّوري.
الكتاب الذي بين أيدينا "اجتياز البحر"، مختص بالمهاجرين السوريين الذين يريدون الوصول أوروبا عبر البحر، هو جزءٌ من هذا الأدب الجديد الذي ينتشر في فرنسا، ويمتلك جمهوره الخاص، ولكنه لا يزال جمهورًا نخبويًّا. وحين سأل "ملحق الثقافة" مسؤول مكتبة "فولي دونكر"، الذي يكرس حيزًا لكتب مماثلة عن رواج الكتاب من عدمه، اعترف بأن مبيعات من هذا النوع من الكتابة ليست مرتفعة: "نحو عشرة في الشهر من كافة الكتب المعروضة". وأضاف بأنه "يبدو لنا وجود نوع من الإشباع في هذا المجال". ورغم صور اللاجئين والغارقين وخاصة الطفل عيلان، فإن الفرنسيين، يقول لنا المسؤول، وهو أيضًا مدير دار نشر تحمل اسم المكتبة، بأن "التضامن يظل معنويًا، وأن فرنسيين قلائل يشترون هذه الكتب". ولم يفته أن يُذكّر بالدور الكبير الذي تلعبه المنظمات والجمعيات المهتمة بشؤون اللاجئين في الترويج لهذه الكتب، كالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين وسيماد و"أطباء بلا حدود" وغيرها.
السؤال نفسه طرحناه على مسؤول في سلسلة مكتبات "جيبيرت جوزيف" Gibert Joseph، التي تعدّ من أهم مسوقي الكتب في فرنسا إلى جانب مكتبة الـ "فناك": "هذه النسخة من كتاب "اجتياز البحر"، التي اشتريتهَا، هي النسخة الرابعة التي باعتها الدار إلى الآن في فرنسا كلها". وأضاف بأن "ما يحدد أو يساعد على المبيعات، هو الترويج لها عبر برامج مؤثرة في التلفزيون وفي كبريات الصحف والمجلات. وبما أن الصحافة تبحث دائمًا عن الإثارة والانفعالات، فإن موضوع اللاجئين لم يعد شغلها الشاغل، رغم الكوارث وحالات الغرق المتواصلة في البحر المتوسط وبحر إيجه، ورغم صدور كتب تتناول الموضوع".
اللاجئون ورقة سياسية
ولا يعني هذا أن الفرنسيين لا يتحدثون، بما يكفي، عن اللاجئين. بل إن المؤسف، كما يقول لـ "ملحق الثقافة" عالم الاجتماع الفرنسي قدور زويلاي، هو أنه "مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الفرنسية، بدأنا نرى تركيز اليمين بشقيه التقليدي والمتطرف، على الحديث عن اللاجئين، ليس من باب مساعدتهم وإيوائهم، بل من باب التذكير بأن فرنسا غير قادرة على استقبال لاجئٍ واحد إضافي"، وأضاف أن هذا النوع من الخطاب ليس بعيدا عن بعض الاشتراكيين أنفسهم: "الذين يعترفون بأن فرنسا ليست قادرة على استقبال بؤس العالَم". لم ينس زويلاي التذكير بأن العمليات الإرهابية التي عرفتها فرنسا وبلجيكا "أذكت نوعًا من الخلط بين الإرهاب واللاجئين. وهو ما يعود سلبًا على النظرة التي ينظر بها الفرنسيون إلى هؤلاء القادمين الجدد". كما أن "بعض الاعتداءات الجنسية التي عرفتها كولونيا، واستغلتها تيارات واسعة في اليمين، وحتى بعض الكتّاب العرب في الغرب، قبل التحقّق "القضائي" من حقيقتها، ساهم في تشويه صورة المهاجرين واللاجئين".
وغير بعيد عن هذا الموقف اعترف لنا مدير مكتبة ودار النشر "كارتالا"، بأن نشر هذا النوع من الكتب ليس بعيدًا عن "العمل النضالي"، أي نوع من الانسجام الأخلاقي مع النفس، في وقت كثر فيه الحديث عن الأزمة الاقتصادية وينتشر فيه القَلق من الآخر. وهذا الانسجام الأخلاقي مع النفس، هو ما تعبر عنه صحيفة "لاكَروا"، التي تكرّس باستمرار مواضيع ترحب باستقبال الغريب وتقديم العون له، انسجامًا مع خطها المسيحي، وأيضًا وفاءً للمفكر والفيلسوف الفرنسي الراحل بول ريكور، الذي كرّس نصوصًا رائعة للغريب واستقباله والوقوف معه في محنه.
ثمة أشياء كثيرة يجب أن نفعلها من أجل اللاجئين، يقول لنا الباحث والأكاديمي الفرنسي، هنري دي لاهوغ، من جامعة إيسي لي- مولينو، وأحد الفاعلين في الحوار المسيحي الإسلامي. و"لا ينحصر الأمر في استقبال اللاجئ وإيوائه، فقط، بل، وأيضًا، في محاورته والانفتاح عليه، فهو يظلّ أخًا لنا".
هذه الأخوّة هي ما يحتاجه فعلًا، وفي بلد "الحرية والمساواة والأخوّة" الغريبُ واللاجئ والمهاجر، ليس فقط، في تقديم العون المادي له، بل في قراءته والإنصات له ومشاركته همومه وهواجسه.
يتذكر الكاتب فولفغانغ بايير، في نهاية كتابه "اجتياز البحر"، صديقًا له، محمد، الشقيق الأكبر لعلاء وحسام، الذي قضى وهو يحاول عبور المتوسط، فيكتب، رغبة منه في ألّا ينساه، رغم عدم إبداء حماسة غربية في البحث عن جثمانه: "لأن الأمر لا يتعلق بمسافرين غربيين في طائرة هوت في المحيط الهندي. هم أناس في وضعية غير قانونية اخترقوا القوانين بحثًا عن مستقبل أفضل لهم ولعائلاتهم، هم كائنات بشرية من دون أوراق ثبوتية، ولا أحد يعرف أسماءهم".