لم يبدأ تجنيد "الأمنجية" في الخارج للتجسس على الجاليات المصرية حديثا، إذ روى سامي شرف، سكرتير الرئيس عبدالناصر للمعلومات، قصة تأسيس فرع للتنظيم الطليعي من الذين تقتضي ظروف عملهم أو يتم تجنيدهم في الخارج، كانت هذه المجموعات بالإضافة إلى مجموعات السفارات المصرية في الخارج يطلق عليها "تنظيم الخارج"، كما قال شرف الذي وصف عمل هؤلاء، بتنفيذ مهام وطنية وقومية في مختلف المناسبات على مدى سنوات تقارب السبع، من أبرز هؤلاء عبدالمنعم النجار وأسامة الباز وحسام عيسى وعلي السمان وجمال شعير ومصطفى الفقي ومراد غالب وأسامة الخولي ووفاء حجازي وغيرهم.
بعد 30 يونيو نشط البصاصون أو الأمنجية وعادوا إلى عملهم، خاصة بعد انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب على نظام الرئيس محمد مرسي، وبحسب أستاذ للعلوم السياسية يعمل في واشنطن، فضّل عدم ذكر اسمه، فإن مهمة هؤلاء التي لاحظها أبناء الجالية المصرية هي جمع أكبر قدر من المعلومات عن تحركات المصريين في أميركا، وتحديدا ثوار يناير أو جماعة الإخوان المسلمين، إذ يبلغون عن أية أحداث تقع في نطاق وجودهم أو يقومون بنشر أخبار ترغب الجهات الحكومية في بثها بين الناس على نطاق معين.
سامية هاريس (يسارا) |
عودة المهمة
وفق ما رصدته "العربي الجديد" عبر مصادرها، فإن جمع المعلومات ضد خصوم النظام الحاكم في مصر مهمة كانت قد اختفت بعد ثورة 25 يناير، إلا أنها عادت وبقوة عقب انقلاب 30 يونيو، كما ترى المحللة السياسية الأميركية من أصل مصري، سامية هاريس، عضو حركة الديمقراطية التي تعرضت لتجربة مثيرة في السياق السابق إذ أبلغت عنها (أ.ع) سمسارة عقارات بعد نقاش بينهما عن مواقفها السياسية المناهضة لحكم العسكر، وأنشطتها السياسية داخل الولايات المتحدة.
تقول هاريس لـ "العربي الجديد": "بعد نقاشي معها مباشرة، تم منعي من مراقبة الانتخابات الرئاسية الأخيرة في السفارة المصرية رغم استيفائي جميع الشروط، وما عزز شكوكي أنني راقبت جميع الانتخابات والاستفتاءات الماضية من دون مشاكل". وتضيف "تم وقف التعاون معي حتى في ما يتعلق بالأنشطة الخيرية التي كنت أنظمها لصالح فقراء مصر، مثل جمع كتب مدرسية أو معدات طبية كان من المفروض إرسالها كمساعدات".
قوائم ترقب في مطارات مصر
تضم قائمة ضحايا "الأمنجية" وسط الجالية المصرية في واشنطن كثيرين، أغلبهم تحاشى الحديث ورفض ذكر اسمه من باب الحيطة. (ح.ع) مصري ملتحٍ حاصل على الجنسية الأميركية، يعد من أبرزهم، تعرض للتوقيف والاستجواب في مطار القاهرة إذ تم توقيفه 24 ساعة خلال عودته من الحج وسؤاله عن المساجد التي يتردد عليها في واشنطن وتحديدا مسجدا "دارالهجرة" و"مسجد الجالية المغربية".
يقول (ح.ع) لـ "العربي الجديد" سألوني عن أفراد من جماعة الإخوان المسلمين يترددون على هذين المسجدين، ولاحظت أن المحقق يعرف تفاصيل شخصية جدا عن حياتي في أميركا وتحركاتي، وهو ما أكد شكوكي بأنني مراقب من جانب الأمنجية.
الدكتور أمين من الأعضاء الناشطين في مجتمع الجالية المصرية في الولايات المتحدة منذ ثورة يناير، وكان يعد همزة وصل بين السفارة المصرية والجالية فيما يتعلق بكل الأنشطة الثقافية والسياسية، من قبيل تنظيم اجتماعات بين رؤساء أحزاب والجالية المصرية، ليست له أي علاقة من قريب أو بعيد بالإخوان، إلا أن "أمنجيا" كما قال في شهادته لـ"العربي الجديد" أرسل صوره وتدويناته من على صفحته على موقع التواصل الإجتماعي "فيسبوك" المناهضة لحكم العسكر وللإعلاميين المصريين المساندين للسيسي، وهو ما عرضه لحملة تشهير في صفحات مؤيدي السيسي في أميركا باتهامه بالانتماء للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين الأمر الذي أدى إلى أن يخاف زيارة أهله في مصر، خشية وجود اسمه ضمن قوائم الترقب والوصول، كما قال لـ"العربي الجديد".
التحليل النفسي للمخبر
يحدد طبيب الصحة النفسية المصري المقيم في واشنطن الدكتور جمال الفقي، المواصفات الشخصية للمخبر المصري المقيم في الخارج، وأبرزها الثبات الانفعالي والقدرة على التظاهر بالحيادية والحس الاجتماعي والقدرة على الاندماج داخل الأوساط الاجتماعية المختلفة للجالية.
وعلى الرغم من الذكاء المحدود للمخبر -بحسب تصريحات الدكتور الفقي- لـ"العربي الجديد" غير أن إجادته التمثيل والتماهي مع أنماط المشاعر التي يراها أمامه، هو ما يجعله قادرا على اختراق صفوف العناصر المستهدفة بالتجسس في الجالية.
ويضيف الفقي: "إن المخبر لديه القدرة على ابتزاز المشاعر والقدرة على استقطاب المعلومات دون طلب مباشر فضلا عن القدرة على الإيحاء الموجه والمدروس".
قائمة المخبرين
حصرت "العربي الجديد" قائمة بأبرز المخبرين وسط الجالية المصرية في واشنطن، على رأس القائمة تأتي صحافية مصرية اسمها (ح. ب) تم منعها مؤخرا من حضور أي نشاط للجالية المصرية في واشنطن، كالأنشطة المقامة في منزل أحد الأطباء الأميركيين من أصل مصري من المشهورين، بسبب دفاعها المستميت عن حكم العسكر وإثارتها الجدل وخروجها عن مواضيع الندوات، كما تم منعها من حضور فعاليات منظمة "ايكا" المنظمة المصرية الأميركية الثقافية التي تعد أبرز أماكن تجمع النخب المثقفة المصرية المقيمة في الولايات المتحدة بمختلف أطيافها وتوجهاتها الفكرية والسياسية.
صحافي مصري آخر يعمل في قناة "الحرة" في واشنطن ويدعى (خ.خ) يجاهر في أحاديثه دائما أنه سيبلغ الملحقية العسكرية عن أي شخص مناهض للحكم العسكري، كما يعرف بعدائه وكرهه الشديد للإخوان المسلمين ومناصري الرئيس المعزول محمد مرسي.
سيدة أخرى تعمل في مجال سمسرة العقارات تدعى (أ.ع ) معروفة بأنها شخصية اجتماعية قريبة من الملحق العسكري المصري في واشنطن، اللواء بحري محمد عبد العزيز، تؤكد لنا بعض المصادر أنها "أمنجية" تتخذ من مهنتها ستارا للتمويه على مهمتها الاستخباراتية.
طبيب مصري ينتمي إلى الطائفة البهائية يدعى ( ت. ح) لا يخجل من الحديث عن عمله لصالح المخابرات المصرية في كل الأوساط، "أمنجي" آخر لا يعمل، سبق اعتقاله من قبل الشرطة الأميركية مرات عدة، يتباهى بقربه من نظام الحكم الحالي في مصر، عن طريق ابنة عمته القيادية في حزب نشأ بعد ثورة يناير محسوب على الحزب الوطني شارك بعض أعضائه ضمن الوفد المصاحب للسيسي خلال زيارته الأخيرة للأمم المتحدة، ودائما ما يقحم نفسه في أي حديث من أحاديث الجالية المصرية في أميركا على صفحاتها على مواقع التواصل الإجتماعي، موجها الحديث إلى الشأن السياسي في مصر، وخلال زيارة السيسي الأخيرة إلى نيويورك شارك في حشد التظاهرات المؤيدة لنظامه عن طريق إغرائهم بمزايا متنوعة، بعضها مالي،ّ كما يؤكد العديد من الناشطين في الجالية لـ"العربي الجديد".
حالة أخرى بطلتها مهندسة مدنية مصرية اسمها (غ.ب) عملت سنوات مع المخابرات الأميركية في أفغانستان في قطاعات الإنشاءات، كانت تتظاهر بتأييد وحضور كل فعاليات ثورة يناير، عبر انضمامها إلى حشود المحتجين آنذاك أمام البيت الأبيض أو محيط السفارة المصرية، وبعد 30 يونيو الماضي، تم الاحتفاء بها داخل السفارة المصرية.
المقابل صفر
ما هو المقابل الذي يحصل عليه "الأمنجية"؟ توجهنا بالسؤال السابق إلى مقربين منهم أكدو أنهم يعملون بشكل تطوعي، ومن دون مقابل، لأن أغلبهم من طبقات اجتماعية ومادية متوسطة أو فوق المتوسطة وأحيانا من الطبقة العليا ماديا، جلهم يعتبر ما يقوم به نوعا من الوطنية وتنفيسا عن كرههم لأشخاص آخرين، مختلفين في الرأي عنهم، وفي هذا السياق يعتبر أستاذ الصحة النفسية في جامعة جونز هوبكنز، وجدي عطية، أن شخصية المخبر "مريضة ولديها نقصان ذاتي تحاول تعويضه عبر الانخراط في العمل الاستخباراتي بشكل تطوعي في سبيل الظهور والبروز الاجتماعي ومخالطة الشخصيات السياسية الموجودة في السلطة، وهذا في حد ذاته كفيل بأن يرضي غروره".
إغراءات معنوية
يتقاضى المخبرون المصريون في أميركا مكافآت معنوية مقابل خدماتهم، من قبيل حضور حفلات تقيمها السفارة المصرية في أميركا أو من خلال تمتّعهم بامتيازات بروتوكولية مثل تسهيل إجراءات سفرهم ووصولهم إلى مطار القاهرة.
فئات أخرى من "الأمنجية" بعضهم من الموظفين الذين انتهت فترة عملهم في السفارة أو تم التخلي عن خدماتهم بشكل رسمي، لا سيما بعد الثورة المصرية، مما دعاهم إلى تغيير طبيعة عملهم في سبيل البقاء في الولايات المتحدة، مقابل القيام بمهمات استخباراتية لصالح الحكومة المصرية، ومن هؤلاء إعلامي مصري مقيم في واشنطن (ح.ق) واصل عمله لمدة ثماني سنوات بعد انتهاء فترة ابتعاثه بسبب قربه من زوج ابنة عمر سليمان رئيس المخابرات السابق إلا أنه تم الاستغناء عن خدماته بعد وصول الدكتور مرسي إلى الحكم، فيما لا يزال مقيما في الولايات المتحدة، وبحسب مصادر في الجالية فإن (ح.ق) يشاهد يوميا في المقاهي والمساجد وتجمعات الجالية المصرية والنادي النوبي ومنظمة ايكا وغيرها من الفعاليات كما يسجل حضوره المتقطع في السفارة.
التجسس جريمة يعاقب عليها القانون الأميركي
يؤكد المحامي جون براينت، عضو الكونغرس السابق أن هذه الأفعال تقع تحت طائلة التخابر لصالح دول أجنبية وفقا للقانون الأميركي وتعرض مرتكبيها للسجن مدى الحياة كما أن التجسس ونقل أخبار المواطنين الموجودين على الأراضي الأميركية يعد مخالفة لقوانين حماية الخصوصية، وهي جناية قد تصل عقوبتها إلى السجن خمس سنوات.
براينت تابع قائلا في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد": "يمكن لأي مواطن موجود على التراب الأميركي وقع ضحية هذه الأنشطة الاستخباراتية، أن يتقدم بشكوى إذا كان لديه دليل أو حجة مادية على انتهاك خصوصيته، ونقل معلومات عنه إلى جهات أخرى".