يشعر مدير شركة التبغ المغربية، بول ليكات، بالقلق من التزايد المتسارع لحجم السجائر المهربة في المملكة، إذ لم تزد نسبة التهريب عن 14 بالمائة في عام 2011 لكنها ارتفعت إلى 17 بالمائة في عام 2014، ثم إلى 20.4 بالمائة من مجموع الاستهلاك المحلي للسجائر بالمغرب في عام 2016، وهو ما يعزوه الباحث في الاقتصاد الاجتماعي، محمد مجدولين، إلى ارتفاع الضرائب المسجلة على السجائر في المملكة مقارنة مع جيرانها، من قبيل موريتانيا والجزائر.
وتبلغ قيمة الرسوم الضريبية المفروضة على السجائر في المغرب، 60 في المائة على الأسعار النهائية، بينما تصل في موريتانيا إلى 40 في المائة فقط، ولا تزيد عن 57 بالمائة في الجزائر، وفق ما أوضحه ليكات لـ"العربي الجديد"، قائلا إن "الخسارة السنوية لصناعة التبغ المحلية جراء التهريب تقدر بمليار و250 مليون درهم تتكبدها خزينة البلاد وقطاع صناعة التبغ المحلي".
"الديطاي" يروجون السجائر المهربة
يعمل تاجر السجائر المغربي، عزيز الديطاي، (لقب يطلق على بائعي السجائر المهربة بالتقسيط)، على بيع التبغ المهرب من ماركات (مارلبورو، ليجوند، كاميل، فورتينا) في حي الانبعاث بضواحي العاصمة المغربية، إذ يبيع علبة السجائر المهربة من نوع "مارلبورو" بـ 20 درهما (دولارين) بعد أن يقتنيها بسعر 16 درهما (1.7 دولار) من تاجر كبير يحصل عليها مباشرة من المهربين، الذين يأتون بها عبر طرقهم الخاصة عبر الحدود المغربية الجزائرية المغلقة بقيمة 12 درهما (1.29 دولار) فيما يبلغ ثمنها في أكشاك التبغ ونقط بيع التبغ، 35 درهما (3.73 دولارات).
وينتشر المهربون الذين يوفرون السجائر للبائع الديطاي، في مناطق جنوب وشرق المغرب، على الحدود الموريتانية والجزائرية، وتكشف دراسة أجرتها شركة "كي بي إم جي" الدولية للاستشارات والتدقيق، حول استهلاك السجائر المهربة في دول المغرب العربي، أن سيجارة من بين كل 8 سجائر تدخن في المغرب يتم تهريبها، وهو ما يعني أن ملياراً و900 مليون سيجارة مهربة يتم تدخينها في المغرب من بين 15 مليارا و700 مليون سيجارة مستهلكة في المغرب، يأتي 65 في المائة منها من الجزائر، بحسب الدراسة التي تم الكشف عنها في يوليو/تموز الماضي.
وتبين معطيات مديرية الجمارك بالمغرب أن إيرادات الدولة من صناعة السجائر، عبر الضرائب المفروضة على بيع السجائر في السوق الوطنية، وصلت السنة الماضية إلى 14 مليار درهم، أي حوالى مليار و134 مليوناً و800 ألف دولار، فيما فقدت المملكة عائدات ضريبية تعادل 143 مليون دولار (حوالى 140 مليار سنتيم) بحسب دراسة "كي بي إم جي".
التهريب عبر "المقاتلات"
تتنوع طرق تهريب السجائر، "التي تجذب إليها شبابا عاطلين باحثين عن لقمة العيش، أو عن الثراء أحيانا، في خضم واقع اجتماعي بات يؤمن بحرق المراحل والثراء السهل"، كما يقول باحث الاقتصاد الاجتماعي، مجدولين، من بين هؤلاء الشباب مهرب السجائر السابق، الغوراني عبد الإله، والذي توقف عن عمله السابق بعد أن تجرع مرارة سجن مدينة تيفلت (تقع في الوسط الشمالي للمملكة)، وقبع فيه 6 أشهر بعد ضبطه يهرب السجائر إثر توقيفه في منطقة حدودية مغلقة بين الجزائر والمغرب خلال قيادته لسيارة تعرف بين المهربين بـ"المقاتلة".
والمقاتلة عبارة عن سيارة مفرغة تماماً من الداخل ما عدا كرسي السائق، وهيكلها الحديدي، كما يشرح المتحدث ذاته، موضحا أن المهربين، ينزعون مصابيحها الأمامية عمدا.
ويستخدم المهربون سيارات من نوع رينو 21 ورينو 25 وأوبل فيكترا وأوبل كورسا، والمرسيدس 240 والبيجو 405، ويتم تغيير معالم السيارات ووضع أرقام مزيفة بها، حتى لا يتعرف عليها رجال حراسة الحدود خاصة في الليل، وتحمَّل السيارة بسلع مغربية يتم تهريبها إلى الجزائر، مثل الخضر والفواكه والملابس، في مقابل السجائر أو البنزين القادم من الجارة الشرقية للمملكة، ويتم الالتقاء في مناطق عازلة بين الحدود المغربية الجزائرية.
وأكد المصدر عينه على أن المقاتلات وسيلة قوية وفعالة لتهريب خراطيش السجائر رخيصة الثمن، لاقتراب صلاحيتها من النهاية، خاصة أنها تقضي مدة زمنية طويلة في مستودعات خاصة بالمهربين انتظارا للحظة التهريب المناسبة، في ظل ظروف تخزين لا تراعي الرطوبة أو الحراراة، وهو ما يجعلها شديدة الخطورة على من يدخنونها كما يقول الدكتور بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية للمستهلكين، وهي كيان أهلي يضم عددا من الجمعيات التي تهتم بصحة المستهلك.
مخاطر صحية
يقبل الزبائن على تدخين السجائر المهربة رخيصة الثمن، ويسهم بائعو التقسيط المعروفين بـ"الديطاي" في تسويق 38 في المائة من استهلاك السجائر بالمغرب بحسب ما كشفته دراسة شركة "كي بي إم جي"، "بغض النظر عما قد تتضمنه هذه السجائر من مخاطر صحية مضاعفة"، وفقا للمهرب السابق عبد الإله.
المخاطر الصحية للسجائر المهربة يتحدث عنها الدكتور الخراطي قائلا إن السجائر منتهية الصلاحية أشد خطورة على المستهلك من نظيرتها، التي تسري فترة صلاحيتها، وزاد الخبير موضحا بأن مادة القطران التي تُكون منها السجائر خطيرة، وتزداد خطورتها على الجهاز التنفسي إذا انتهت صلاحيتها، خاصة على الجهاز التنفسي إذ تتضاعف احتمالية الإصابة بالسرطان في الحلق والقصبة الهوائية والجهاز التنفسي، مضيفا أن عوامل نقل السجائر في ظروف غير سليمة بسبب التهريب تؤدي أيضا إلى تغير نكهة وجودة التبغ، إن صح الحديث عن جودة، ما يفضي إلى مشاكل صحية على الإنسان، منها السرطان وأمراض الرئة.
استخدام الحمير في التهريب
بسبب ضبط عناصر الدرك الملكي والجمارك للسيارات المعروفة بـ"المقاتلات"والتي وصل عددها إلى 14 سيارة في عام 2014، وفقا لآخر إحصاء صادر عن الجهتين، لجأ المهربون إلى استخدام الحمير في التهريب وتوجيهها عن طريق آلة تسجيل تأمر الحيوان بالتقدم صوب منطقة معينة، وشاع استخدام تلك الوسيلة على الحدود بين البلدين الجارين، نظرا لكونها أكثر أمانا بالنسبة للمهربين من السيارات المقاتلة، كما يقول أحمد الوجدي، أحد سكان منطقة إيش قرب الحدود الجزائرية.
ويكمل المهرب السابق، عبدالإله، بأن المهربين يكونون على دراية كبيرة بتضاريس الحدود البرية بين البلدين، ما يجعلهم يوجهون الحمار بآلة تسجيل تحثه على السير قدما، إلى أن يتوقف عند مكان محدد ومتفق عليه مع مهربين من الضفة المقابلة.
ولا تغيب تلك الوسيلة عن رجال الدرك والجمارك كما يقول الخبير الأمني، القسطالي دامون، والذي يرجع دخول العديد من البضائع المهربة من الجزائر أو موريتانيا، إلى اتساع الحدود البرية بين المغرب وجارتيه الجزائر وموريتانيا، ما يصعب كثيرا من ضبط كل عمليات التهريب.
لكن على الحدود مع موريتانيا، يستخدم المهربون قوارب الصيد المنطلقة من سواحل مدينة الداخلة المغربية المحاذية لموريتانيا، والقريبة من منطقة الكويرة الصحراوية، وتضبط الشرطة الموريتانية بين الفينة والأخرى عمليات تهريب للسجائر إلى المغرب، وتنتمي منطقة الكويرة إلى المنطقة الصحراوية العازلة التي أحدثها وقف إطلاق النار بين المغرب والبوليساريو، وهي منطقة شبه مهجورة، تخضع إداريا للمغرب، لكن واقعيا تحكمها القوات الموريتانية.
العقوبة القانونية
يجرم القانون المغربي تهريب السجائر، وتدخل تلك الجريمة في نطاق المادة 208 من مدونة الجمارك، والتي تنص على عقوبات السجن من 6 أشهر إلى 3 سنوات، ومصادرة البضائع، والغرامة المالية.
ويبقى حرص رجال الجمارك والحدود على ضبط مهربي السجائر هو الوسيلة الفعالة لرصد هذه الظاهرة، وهو ما سلكته مديرية الجمارك والضرائب المغربية، التي شنت حملة العام الجاري ضد هذا النوع من التهريب.
وكان من نتائج هذه الحملة، وفق دراسة أنجزتها إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة في أبريل/نيسان ومايو/أيار من العام الجاري، تراجع عمليات تهريب السجائر داخل السوق المحلية بنسبة 5.64 في المائة خلال شهري الدراسة إذا ما تمت مقارنة تلك النسبة بالفترة ذاتها من السنة الماضية إذ بلغت تلك النسبة 7.64 بالمائة في عام 2016، و14.02 بالمائة عام 2015.
وأجريت الدراسة بالتنسيق مع الفاعلين المعتمدين لتوزيع التبغ المصنع، خاصة الشركة المغربية للتبغ، وشركة التبغ اليابانية الدولية، وفيليب موريس الدولي، وبريتيش أميركان للتبغ بالمغرب.
اختلاف الأرقام بين مديرية الجمارك، التي تتحدث عن تراجع نسبة السجائر المهربة وشركة التبغ التي ترى عكس ذلك، يفسره الباحث الاقتصادي، محمد مجدولين، بأن الجمارك تنطلق من ضبط عناصرها للسجائر عبر الحدود الشرقية والشمالية والجنوبية، بينما شركة التبغ تورد إحصائيات بناء على ما تصنعه وما تحصل عليه من مداخيل ترفد الاقتصاد المغربي بمدخول هام، تهدده سجائر "الديطاي".