إلا أن موجة التفاؤل هذه ما لبثت أن تبددت تدريجياً بعد حوالي 10 أيام، وبروز مواقف سائر
تجدر الإشارة هنا، من خلال جولة تفصيلية على كل ما كتب وصدر من أكثر من جهة بما يخص الاتفاق النفطي، إلى عودة الحديث عن أمرين (تقنيين لا سياسيين) جوهريين في بنية هذا القطاع الحيوي، الذي يُنتظر منه أن يكون خشبة خلاص الاقتصاد المهترئ، ألا وهما النظام الضريبي وشركة النفط الوطنية.
الأمر الأول يكمن في إعادة الحديث المتعلق بالنظام المالي الذي ستتبعه الدولة في قطاع النفط والغاز إلى المربع الأول، وطرح التساؤلات والانتقادات حول الرسوم والضرائب التي ستفرض على الشركات العاملة وحصة الدولة من الإنتاج والأرباح.
أمرٌ، لن نتوقف عنده كثيراً لأن حله بسيط، ويقتضي طرق أبواب هيئة إدارة قطاع البترول والجلوس مع أعضائها لمعرفة حقيقة الأرقام المتداولة إعلامياً والنماذج التي اتبعت من أجل اعتماد الأرقام المقترحة في مسودة المرسوم المتعلق بعقود الاستكشاف والإنتاج كما في مشروع النظام الضريبي.
أما الموضوع الثاني، فيتعلق بإنشاء شركة النفط الوطنية لتشرف على كل نواحي القطاع والذي
ينص "قانون الموارد البترولية في المياه البحرية" رقم 132/2010 على أنه يمكن الحديث عن "إنشاء شركة بترول وطنية عند الحاجة، وبعد التحقق من وجود فرص تجارية واعدة"، ما يعني صراحة الانتظار للتأكد من الكميات الموجودة (لا كميات غاز أو نفط مؤكدة قبل بدء عمليات الحفر) وتحقيق الاكتشافات التجارية وبدء الإنتاج. فلماذا عودة الحديث عنها الآن؟
يهدف إنشاء شركة نفط وطنية عادة إلى ضمان حصّة أوفر للدّولة من عائدات النّفط من جهة كما إلى تأمين مشاركة على الصعيد التجاري، فضلاً عن التأثير الذي ينتجه وجود شركة وطنية بين الشركات العالميّة. وبما أن النظام النفطي اللبناني يشبه إلى حدّ ما النظام النروجي والذي يعتبر من التجارب الناجحة على هذا الصعيد، لا بدّ من الاشارة الى أنّ الشركة الوطنية النرويجية ستاسويل Statoil لم تٌنشأ إلّا بعد 7 سنوات من بدء عمليّات الاستكشاف والإنتاج.
أي أن السبع سنوات الأولى ساهمت بدراسة الأرضية النفطيّة كما الكميّات الموجودة تحت إشراف الدولة النروجية قبل أخذ قرار إنشاء الشركة. وقد كانت الدولة تملك حتى نهاية القرن العشرين حصة توازي 50% من الشركة وكانت تغطي كل عمليات التطوير والإنتاج في حينه قبل أن تبدأ هذه النسبة بالانخفاض إلى أن خُصخصت عام 2001 وطرحت أسهمها في بورصة نيويورك (تملك الدولة اليوم 67% من الأسهم في حين أن الـ 33% المتبقية تشكّل أسهم للاستكتاب العام).
وحتى لو أُنشئت الشركة الوطنية، فإن وجودها لا يتعارض مع الإطار التنظيمي للهيئة بما أن القانون يُحدّد الحاجة إلى شقّ اداري تنظيميّ (الهيئة) وشقّ تجاري يمكن أن تقوم به الشركات العالميّة بما في ذلك الشركة الوطنية اللبنانية.
على صعيد آخر، ووسط كل ما تتخبط به الدولة من عجزٍ اقتصادي وبنيوي في مختلف
إن إنشاء شركة نفط وطنية اليوم سيشكل عبئاً على الاقتصاد اللبناني ويحمل الدولة مسؤولية وطنية جديدة، إلا إذا كان الهدف، وهنا النقطة الأساسية، استنساخ نموذجي الكهرباء والاتصالات في قطاع النفط، حيث تُغيب الهيئات الناظمة عمداً منذ عشرات السنين ولا يعين أعضاؤها، تاركين المجال للشركات التي تغيب عنها الرقابة المسبقة واللاحقة.
فهل من نية لتقليص دور هيئة إدارة قطاع البترول التي تنتهي مدتها عام 2018 مقابل شركة وطنية تطغى عليها المحسوبيات وسلطة الزعامات السياسية؟