كانت فلسطين وجع العرب ووجع سورية "بشامها وحلبها"، وصارت سورية وشعبها، "بشامها وحلبها"، وجع فلسطين كلها، حتى وإن صمتت فلسطين الرسمية وتلكأت في الوقوف إلى جانب أبناء حلب وشعب سورية. تعيدك مناظر الدمار الإجرامي في حلب إلى سنوات التسعينات، لتستحضر صور مذابح سراييفو ونساء وبنات سراييفو الفارات للموت من موت الإنسانية. صور سراييفو الدامية لا تفوقها وحشية إلا صور حلب الشهباء، وقد باتت الأحياء الشرقية ركاماً: أثر بعد عين، طفل يبكي والده الذي قتل أمام عينيه بعد أن سقط عليه البيت، وطفلة سرقوا طفولتها تفر إلى الموت من مغتصبها.
لا عار لأمة العرب يعلو على عار سكوت بعض أبنائها وقادتها على مجازر ومذابح حلب، بل إن السكوت ليس السمة البارزة لهذا العار، إذ يفوق هذا السكوت جرم التبجح بسقوط حلب والادعاء بأنها تعود إلى حضن دمشق، وهل دمشق اليوم هي دمشق وشام العرب، أم أنها باتت هي الأخرى رهينة مغتصبة من نظام مجرم لا يقل جرمه وجرائمه عن وحشية سلوبودان ميلوسوفيتش في سراييفو؟
هو خط يربط بين سراييفو وغروزني وحلب، لكنه الخط نفسه وقاذفات الموت نفسها التي أمطرت أيضاً غزة بقنابلها، لا فرق بين هوية القاتل، ما دام قاتلاً، سواء تحدث الروسية بلكنة الرئيس فلاديمير بوتين، أم السلافية بلكنة ميلوسوفيتش، أم العبرية بلهجة بنيامين نتنياهو وإيهود باراك وأفيغدور ليبرمان، أم تحدث العربية، لغة الضاد بلهجة شامية يخرج منها حقد لم يخطر ببال أحد أن يخرج يوماً من "رئيس" دولة ضد أبناء شعبه. هي لغة عربية، لكنها مسمومة بحقدها الأعمى، وملطخة بدماء أطفال سورية ونسائها، بدماء أبناء حلب ومضايا وغوطة دمشق.
سقطت حلب، سقطت بصواريخ بوتين وقنابله وبرصاص مليشيات "الوعد الصادق" والولي الفقيه، التي جاءت من أفغانستان وباكستان والعراق، كما من قلب بيروت... وجع حلب في سقوطها وتشريد أهلها هو وجع فلسطين كلها، حتى لو نعق بعض أنصار بشار الأسد ومليشياته، عندنا، ما استطاعوا، وارتدوا لباس ممانعتهم الكذابة والزائفة، فلن يستطيعوا أن يغيّروا حقيقة وقوفهم خلف مجرمي الحرب، وسيظل هذا الأمر وصمة عار تلاحقهم أبد الدهر، حتى بعد أن تتحرر حلب وسورية كلها من طغمة بشار ومليشياته القاتلة، سنذكرهم أنهم كانوا مع القاتل.