تحتدم المعارك في ريف حلب الشمالي بين قوات المعارضة السورية المدافعة عنه، وبين قوات النظام ومليشيات متعددة الجنسيات تتحرك تحت غطاء ناري كثيف من الطيران الروسي الذي دمّر مدناً وبلدات في الريف، وشرّد أكثر من سبعين ألف مدني خلال أسبوع.
تمكنت قوات النظام من الوصول إلى بلدتي نُبّل والزهراء، منذ أيام، في إطار محاولات النظام استعادة السيطرة على الريف الشمالي لحلب، الذي بدأ بالخروج من قبضته في منتصف عام 2012، تحديداً مدن أعزاز ومارع وتل رفعت، وهي أهم مدن شمال حلب، وتشكّل "مثلثاً ثورياً" أرهق قوات النظام طويلاً. كما بدأت قوات النظام والمليشيات تتحرك في محيط بلدتي نبّل والزهراء تحت غطاء جوي روسي، وسيطرت على بلدات عدة أخرى، وسط معارك كرّ وفرّ، تخللها استعادة مقاتلي المعارضة بلدة كفين.
تُظهر المعارك الأخيرة أهمية مدينة أعزاز، أهم مدن الشمال، التي تبعد عن مدينة حلب نحو 60 كيلومتراً، فيما يبلغ عدد سكانها نحو 70 ألفاً. تضاعف العدد في العامين الأخيرين مرات عدة، نتيجة حركة النزوح، وقصدها السوريون من كل مكان كونها مدينة حدودية (تبعد عن الحدود التركية نحو 7 كيلومترات). خرجت أعزاز عن سيطرة النظام، في منتصف يوليو/تموز 2012، إثر معارك طاحنة استمرت 19 يوماً. تُوصف أنها "مقبرة دبابات"، بعد تدمير مقاتلي المعارضة معظم دبابات جيش النظام في المعارك.
جنوب أعزاز، تقع مدينة تل رفعت، التي تبعد عن مدينة حلب نحو 40 كيلومتراً، وكان يبلغ عدد سكانها في عام 2011 نحو 40 ألف نسمة، لكنه تضاعف هو الآخر، وأصبحت المدينة ملجأً لآلاف النازحين على مدى سنوات الثورة.
اقرأ أيضاً: النظام السوري وريف حلب... تدمير وتهجير لا يكفيان للسيطرة
ليس بعيداً عن تل رفعت، تقع بلدة مارع، الأقرب إلى مدينة حلب، وتفصلها عنها مسافة 30 كيلومتراً، لكنها الأقلّ سكاناً، الذين كان يبلغ عددهم نحو 25 ألف نسمة، وانخفض عددهم إلى نحو خمسة آلاف نتيجة القصف الجوي. مارع محاصرة الآن من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الذي حاول أكثر من مرة انتزاع السيطرة عليها، ولكن قوات المعارضة المتحصنة داخل المدينة صدت هذه المحاولات المتلاحقة.
يعتقد مراقبون أن تكون مارع وأعزاز وتل رفعت، هدف قوات النظام المقبل، بعد أن أصبحت على بعد سبعة كيلومترات عن تل رفعت، وتتمركز أيضاً في المنطقة الصناعية، على بعد خمسة كيلومترات عن مارع، ونحو كيلومتر واحد عن أقرب منطقة يسيطر عليها "داعش" في محيط المدينة.
يعرب الصحافي، أحمد العقدة، من مدينة مارع، عن اعتقاده أن "ريف حلب الشمالي يشهد حرب وجود، وهي أهم مقومات صمود مقاتلي المعارضة أمام قوات النظام والمليشيات". ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "من تبقّى في مارع، وأعزاز، وتل رفعت، هم أبناؤها وزوجاتهم وأطفالهم"، مشيراً إلى أنه "تمّ الإعلان عن مجلس عسكري موحّد يجمع كل الفصائل العسكرية في هذه المدن، التي تعتبر أهم معاقل المعارضة في ريف حلب الشمالي".
من جهته، يلفت الناشط الإعلامي، ياسين أبو رائد، إلى أن "هذه المدن الثلاث تفصل قوات النظام عن الحدود السورية التركية، وهي مدن تمتد على مساحة جغرافية واسعة، وستحاول القوات المدعومة من المليشيات، ومن الطيران الروسي التقدم باتجاهها".
من جهته، يشدّد النقيب أمين أحمد ملحيس، المتحدث باسم "جيش المجاهدين" في حلب على أهمية مثلث مارع، وتل رفعت، وأعزاز، بالنسبة لقوات المعارضة السورية في شمال حلب. يشير في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "خسارة هذا المثلث تعني وصول قوات النظام والمليشيات، بالتنسيق مع قوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، إلى الحدود السورية التركية".
يلفت ملحيس، إلى أن "هناك قوات لا بأس بها، قادرة على الدفاع عن هذا المثلث"، داعياً إلى "توحيد جهود كل الفصائل المقاتلة بأقصى سرعة ضمن جسد عسكري واحد لصد القوات المهاجمة". يدعو ملحيس إلى "ضرورة فتح خط إمداد بالأسلحة والذخائر يمكّن مقاتلي الجيش السوري الحر من المجابهة"، مضيفاً أنه "في حال توفر هذين الشرطين، فإن الموازين تعتدل على الأرض، وتعود الأمور أفضل مما كانت عليه قبل الهجمة الأخيرة لقوات النظام والمليشيات".
يعتبر أن "هناك عملاً جدياً قادماً من قوات المعارضة السورية لصد هجمة قوات النظام والمليشيات"، ومبدياً خشيته من "محاولة حزب الاتحاد الديمقراطي التقدم باتجاه أعزاز للسيطرة عليها وربطها مع مدينة عفرين"، داعياً الفصائل لـ"الانتباه لهذه المسألة".
وتستغلّ قوات حزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي الوضع العسكري شمال حلب، فقد تقدمت من مدينة عفرين التي تسيطر عليها، باتجاه مناطق تقع تحت سيطرة قوات المعارضة. يشير ملحيس إلى أن "وحدات حماية الشعب الكردية، نهبت مستودعات تضم ألف طن من القمح، بالقرب من أعزاز، كانت معدة لتزويد الأفران في ريف حلب الشمالي بالطحين". يعرب ملحيس عن اعتقاده أن "الحزب الكردي يعمل على إفراغ شمال حلب من مقومات الحياة".
من جانبه، يقول العميد زاهر الساكت، رئيس المجلس العسكري السابق في حلب وريفها، إن "ريف حلب الشمالي مطوّق الآن من عدة جهات، من قوات النظام، وداعش، وجيش الثوار، المنضوي ضمن ما يُسمى قوات سورية الديمقراطية". غير أن الساكت يُشدّد في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، على أنه "لا يمكن حصار هذا الريف، حيث لا تزال طرق الإمداد مفتوحة من ريف حلب الغربي"، مضيفاً أنه "لا يمكن تجويع هذا الريف الكبير مهما حاولت الأطراف ذلك". يؤكد أن "الروح المعنوية لمقاتلي الجيش السوري الحر مرتفعة، وهذه أهم مقومات الصمود"، مرجّحاً "حدوث مفاجآت توقف تقدم المليشيات باتجاه الحدود السورية التركية". يعتقد الساكت أن "يكون هدف المليشيات المقبل هو مدينة تل رفعت، ومن بعدها أعزاز للوصول إلى معبر باب السلامة الحدودي"، مبدياً تفاؤله بـ"تغيير موازين القوى لصالح الجيش السوري الحر خلال أيام".
اقرأ أيضاً: "هيومن رايتس" تتهم روسيا والنظام السوري باستخدام الذخائر العنقودية