ورجحت مصادر دبلوماسية مطلعة لـ"العربي الجديد" في نيويورك، أنّ الأمين العام لم يرَ تلك الرسالة إلا لاحقاً. وهذا ما يفسر تلك الحيرة التي ضربت أروقة الأمم المتحدة في نيويورك، والمفاجأة، حيث لم يأتِ الإعلان عن طريق دوجاريك، الذي لم يعرف بالاستقالة إلا من "تويتر"، بحسب ما أكده الأخير لـ"العربي الجديد".
وأكد دوجاريك أنه حصل على رسالة إلكترونية من سلامة يشرح فيها قراره وطلبه بأن يتم إعفاؤه من مهامه لأسباب صحية. وأضاف: "كما قلت فإن الأمين العام يثمن كل المجهودات التي قام بها سلامة، وقيادته لبعثة الأمم المتحدة في أوقات صعبة. وسنعمل الآن على انتقال سلس". ورفض دوجاريك الخوض بتفاصيل أكثر حول توقيت وصول رسالة سلامة.
ولم تكن الأطراف الليبية وحدها التي تعمل بهذا الشكل، بل إن دول المنطقة من مصر والإمارات وتركيا، والأطراف الدولية كروسيا ودول أوروبية وغيرها، مستمرّة في تزويد كلّ الأطراف بالسلاح، في الوقت الذي تصوّت فيه هذه الدول على قرارات مجلس الأمن التي تمنع تصدير الأسلحة وتتحدث عن أنه لا حل عسكرياً للصراع.
وعزا سلامة استقالته لأسباب صحية وكتب "سعيت لعامين ونيف للمّ شمل الليبيين، وكبح تدخل الخارج وصون وحدة البلاد". وتابع "وعلي اليوم، وقد عقدت قمة برلين، وصدر القرار 2510، وانطلقت المسارات الثلاثة رغم تردد البعض، أن أقر بأن صحتي لم تعد تسمح بهذه الوتيرة من الإجهاد. لذا طلبت من الأمين العام إعفائي من مهمتي، آملاً لليبيا السلم والاستقرار".
وأطلق سلامة ثلاث مسارات للمفاوضات: سياسي واقتصادي وعسكري، للتفاوض عليها بين طرفي النزاع. وتبنى مجلس الأمن القرار 2510 الذي يدعم مخرجات مؤتمر برلين، بعد مخاض عسير ومباحثات مضنية بين الدول الأعضاء في مجلس الأمن، وخصوصاً بين روسيا والصين من جهة، والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا من جهة أخرى. وأخيراً، قرّر الاتحاد الأوروبي إرسال بعثة جديدة لمراقبة تطبيق حظر الأسلحة. ذلك الحظر الذي لم تعد أي من الدول التي تخرقه، تحاول حتى التستر على ذلك.
Twitter Post
|
وقد تشكل استقالة سلامة انتكاسة مؤقتة لجهود بعض الدول الأوروبية التي كانت متفائلة بأن يتم أخيراً الالتزام بحظر تصدير الأسلحة لليبيا بعد قرار الاتحاد الأوروبي بإرسال بعثة جديدة للمراقبة. وهذا ما عبر عنه في تصريحات لـ"العربي الجديد" في نيويورك، وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، الأسبوع الماضي بعد خروجه من اجتماع لمجلس الأمن حول ليبيا.
وقال ماس في تلك التصريحات، إن "الضغط على الدول التي تقوم بخرق حظر تصدير الأسلحة إلى ليبيا سيزداد مع بداية عمل بعثة الاتحاد الأوروبية الجديدة للمراقبة".
وكان الاتحاد الأوروبي قد اتخذ قراراً بإرسال بعثة أوروبية جديدة لضمان التطبيق الفعال لحظر تصدير الأسلحة المفروض على ليبيا. لكن التصريحات الألمانية المتفائلة، والتي تعول على مخرجات مؤتمر برلين قد تكون متفائلة أكثر من اللازم، حيث الاقتتال مستمرّ ولم تعد أي من الدول التي تخرق حظر الأسلحة تخشى أي محاسبة من مجلس الأمن المنقسم على نفسه، والذي يتخذ قرارات لا تلتزم بها نفس تلك الدول التي تصوت عليها.
ومما لا شك فيه أن استقالة سلامة ستعقد مهمة الاتحاد الأوروبي الجديدة، فسلامة الذي مكث في منصبه لأكثر من سنتين ونصف، كان المبعوث السادس لليبيا. لم يتمكن سلامة من تحقيق تقدم ملموس في أي من المسارات الثلاثة، العسكري والاقتصادي والسياسي. فمباحثات جنيف العسكرية (5+5) ظلت تراوح مكانها، وكذلك السياسية. وكان الإحباط واضحاً على سلامة في المؤتمرات الصحافية التي عقدها في جنيف، ولم يتمكن من التقريب في وجهات النظر بين رئيس حكومة الوفاق فايز السراج وبين اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
كما سمّت الأمم المتحدة في أكثر من تقرير حول حظر الأسلحة عدداً من الدول، بما فيها تركيا والإمارات والأردن ومصر، ودول غربية، إضافة إلى مرتزقة روس وسودانيين وتشاد وغيرهم، كجهات تخرق حظر تصدير الأسلحة لليبيا. ولم يؤدِ ذلك إلى أي نتيجة تذكر. وبدا أن سيناريو الحرب بالوكالة الذي تشهده سورية ينتقل إلى ليبيا، ويفرض نفسه بطريقتها الخاصة، فليبيا لديها النفط كما المهاجرون الذين يمرّون عبرها والذين لا تريدهم أوروبا.
واذا بدت مهمة سلامة صعبة فيبدو أن مهمة خلفه شبه مستحيلة، في ظل اتساع الفجوة بين الليبيين، واستمرار اللاعبين الدوليين بتغذية الصراع، ويدفع المواطنون الليبيون الثمن بدمهم وأرواحهم وخيرات بلادهم التي ينهبها الجميع.