وتجمّع المتظاهرون وسط خراطة، رافعين العلم الجزائري والراية الأمازيغية، هاتفين بحياة الحراك الشعبي كثورة شعبية خلصت البلد من مغامرة سياسية كانت ستدفع بالبلاد إلى متاهات غامضة. وشارك ناشطون قدموا من العاصمة ومدن أخرى في الاحتفاء بالفعالية الشعبية، بينهم القيادي في "ثورة التحرير" أخضر بورقعة المفرج عنه أخيراً، والناشط سمير بلعربي المعتقل السياسي السابق الذي أُفرج عنه منذ أسبوع.
وقال بورقعة في كلمة خلال التجمع إن "الحراك الشعبي ثورة مكتملة قادها الشعب لمنع حدوث اختطاف سياسي للبلاد من قبل عصابة سياسية مريضة بالسلطة والحكم". واعتبر القيادي أن هذا الإنجاز التاريخي للجزائريين "هو جزء من تحقيق متراكم للأهداف العميقة لثورة التحرير الأولى".
من جانبه، قال الناشط سمير بلعربي إن "الحراك الشعبي هو لحظة تاريخية كشفت قدرة الشعب على التقاط اللحظة التاريخية لإنهاء زيف السلطة ومحاولة فرض هيمنة وإهانة للجزائريين"، مضيفاً أن "الحراك لن يتوقف حتى يحقق الجزائريون أهداف التغيير السياسي".
وهتف المتظاهرون "بدولة مدنية وليس عسكرية"، وتحرير العدالة والصحافة وإطلاق الحريات السياسية والمدنية، ودشن المتظاهرون ساحة ونصباً تذكارياً رمزياً أُنشئ في وسط المدينة باسم ساحة 16 فبراير، تخليداً لهذا اليوم التاريخي في حياة المدينة والجزائر.
وكانت مدينة خراطة قد شهدت في 16 فبراير 2019، أكبر مظاهرة شعبية رفعت خلالها الرايات السوداء، ضد ترشح الرئيس السابق بوتفليقة لعهدة رئاسية خامسة، كان قد أعلنها في التاسع من فبراير من السنة نفسها، في انتخابات كانت ستنظم في 12 أبريل/ نيسان، قبل أن تُلغى بسبب اندلاع مظاهرات حاشدة في كل البلاد.
وفتح إحياء مدينة خراطة للاحتفاء بذكرى أولى المظاهرات ضد العهدة الخامسة لبوتفليقة، الباب أمام منافسة وجدل حول أسبقية أي المدن في إطلاق مظاهرات ضد ترشح بوتفليقة، حيث يزعم ناشطو مدن برج بوعريريج وعنابة ووهران أسبقيتهم في ذلك قبل مظاهرات خراطة، فيما كانت أول مظاهرة مناوئة للعهدة الخامسة قد نظمت في الإقامة الجامعية بباب الزوار في الضاحية الشرقية للعاصمة الجزائرية في التاسع فبراير، وهو اليوم نفسه الذي أعلن فيه الرئيس بوتفليقة نيته الترشح لولاية رئاسية خامسة.
السلطات تمنع عقد مؤتمر للحراك الشعبي
من جانب آخر، منعت السلطات الجزائرية مؤتمراً صحافياً كانت تعتزم مكونات مدنية في الحراك الشعبي عقده في فندق في العاصمة الجزائرية، لإعلان عقد مؤتمر وطني جامع لقوى الحراك الخميس المقبل.
ولم تسمح السلطات للناشطين، بعقد المؤتمر الصحافي، ما اضطرهم لنقله إلى مقر جمعية "المفقودين" (ضحايا الاختفاء القسرية) وسط العاصمة الجزائرية.
وقال نائب رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، سعيد صالحي، خلال المؤتمر، إن منع السلطة المؤتمر الصحافي "يؤكد أن السلطة ما زالت تمارس ذات السلوكيات"، مشيراً إلى أن الحراك "عبّر عن توافق شعبي، وهو إنجاز كبير، ونحن نشتغل لصياغة وثيقة مرجعية وتوافقية لمطالب الحراك ومحدداته السياسية وفق "الخيار السلمي والوحدة الوطنية والحفاظ على كيان الدولة واستبعاد كل النعرات الجهوية التي يغذيها النظام السياسي".
وأعلنت هذه الفعاليات عقد مؤتمر لنشطاء الحراك عبر كل أنحاء الوطن وفي المهجر بمناسبة حلول الذكرى الأولى للثورة الشعبية السلمية، وتسعى في هذا السياق إلى الحصول على موافقة من السلطات لعقد مؤتمر سيجمع نشطاء الحراك الخميس المقبل، يتوج بحسب الناشطين ببيان 22 فبراير ووثيقة شروط الانتقال الديمقراطي، على أن يُستكمَل هذا المسعى في وقت لاحق بعقد مؤتمر ثانٍ بهدف التوصل إلى صياغة أرضية سياسية وخريطة طريق سياسية توافقية تستجيب لمطالب الحراك الشعبي السلمي.
وقال الناشط والصحافي خالد درارني إن "هذه التنظيمات والفعاليات لتمثيل الحراك أو هيكلته أو تحويله إلى طرف سياسي في الساحة السياسية، لكنها تطمح إلى التنسيق بين مكونات الحراك لوضع وتبني منهجية واضحة لتجسيد مطالبه ومطالب الشعب الجزائري وخلق جبهة وطنية موحدة".
بدوره، لفت الناشط رضوان منصوري إلى أن "مبادرة جمع مكونات الحراك الشعبي في مؤتمر موحد، مستقلة عن الأحزاب السياسية وتأخذ بالاعتبار نشطاء الولايات الداخلية التي عززت بانتفاضتها الشعبية منذ فبراير 2019 الحراك الشعبي، وكذا الحاجة إلى وجود ميثاق وأطر معبرة عن الحراك"، موضحاً أن هذه الفعاليات "لا تزعم تمثيل الحراك بقدر ما تطمح إلى صياغة ميثاق مشترك يطرح للحراك الشعبي".