ما زالت تصريحات رئيس الحكومة المعفى والأمين العام السابق لحزب "العدالة والتنمية" المغربي عبد الإله بنكيران التي هاجم خلالها، قبل أيام قليلة، حزبين مشاركين في الحكومة، تلقي بظلال قاتمة على المشهد السياسي في البلاد، وتهدد بنسف التماسك بين مكونات الحكومة المشكلة من ستة أحزاب.
وبدت الاصطفافات واضحة وسط مكونات الأغلبية الحكومية، بعد تصريحات بنكيران أمام شبيبة حزبه التي هاجم فيها خصوصاً عزيز أخنوش زعيم حزب "الأحرار"، واتهمه بأنه كان السبب في تأخر تشكيل الحكومة السابقة، ما أفضى إلى إعفاء العاهل المغربي لبنكيران.
الاصطفاف الأول يشمل حزب "التقدم والاشتراكية"، الذي بدا مناصراً بشكل ضمني لما جاء على لسان بنكيران، وانتقد ضمن بلاغ له، اليوم، ما سماها "التفاعلات السلبية الناجمة عن العلاقات بين أطراف من الأغلبية، وما أدت إليه من ردود أفعال غير مواتية ولا مسبوقة وصلت إلى حد عدم الاضطلاع بمهام دستورية".
ويرى مراقبون للمشهد السياسي والحزبي بالبلاد، أن المقصود بتهمة "عدم الاضطلاع بمهام دستورية"، ردة فعل حزب "الأحرار" الذي قاطع وزراؤه المجلس الحكومي، الأسبوع الماضي، كما قاطعوا زيارة رئيس الحكومة إلى منطقة الشرق، فيما نفى الحزب أي مقاطعة للحكومة، مسوغاً ذلك بأجندة سابقة لوزرائه التزموا بها.
وأكد حزب "التقدم والاشتراكية"على المسؤولية الجماعية التي تتحملها كافة مكونات الأغلبية في إنجاح العمل الحكومي وجعل التجربة الحالية قادرة على تحقيق التراكم الإصلاحي اللازم في مختلف القطاعات التي تهم بشكل مباشر المعيش اليومي لفئات واسعة من المغاربة، وذلك داخل الإطار المحدد بضوابط الممارسة السياسية السوية.
ودعا الحزب، الذي كان حليفاً قوياً لبنكيران في فترة ولايته الحكومية السابقة، إلى عرض برنامج حكومي طموح، كفيل بمواجهة المعضلات الاقتصادية والاجتماعية، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية استجابة للانتظارات المشروعة والملحة لفئات مستضعفة عريضة، وفتح الآفاق اللازمة لمواصلة مسار الإصلاح وإعادة الثقة في العمل السياسي والحزبي في معناه النبيل".
وفي الجهة الثانية، بدا الاصطفاف واضحاً بين أحزاب "الأحرار" و"الاتحاد الاشتراكي" و"الاتحاد الدستوري" و"الحركة الشعبية"، حيث أبلغ عدد من زعماء هذه الأحزاب رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، عدم رضاهم عن تصريحات بنكيران، وطالبوه برد فعل يعيد الاعتبار للأغلبية الحكومية، ويدرأ عنها مثل تلك "الهزات".
واتفق زعماء هذه الأحزاب الخمسة على مخاطبة رئيس الحكومة بصفته الأمين العام لحزب "العدالة والتنمية" الذي يعد بنكيران قيادياً فيه، رغم أنه لم يعد يشغل فيه صفة تنظيمية ما عدا عضويته للمجلس الوطني للحزب، حيث أبلغوه احتجاجهم مما حصل، فيما رد عليهم العثماني بأنه متمسك بالأغلبية الحكومية ووحدتها.
وظهرت اصطفافات أخرى حتى داخل حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة، جراء ما بات يسميه بعضهم "زلزال بنكيران"، حيث ذهب قياديون في الحزب ومنهم عبد العالي حامي الدين وعبد العزيز أفتاتي إلى أن رئيس الحكومة ليس له أن يعتذر لزعماء الأغلبية، وبأنه من حق بنكيران أن يتحدث ويعبر عن آرائه، ما دام ليس عضواً في الحكومة.
وذهب فريق ثانٍ داخل العدالة والتنمية، ويقودهم عدد من الوزراء خاصة مصطفى الرميد والحسن الداودي وعبد القادر اعمارة وبسيمة الحقاوي، إلى ضرورة "لجم لسان" بنكيران، وبأنه يتعين على قيادة الحزب أن تنبهه إلى خطورة تصريحاته على التماسك الحكومي، وأن أية "زلة أخرى" قد تؤدي إلى انهيار الحكومة.