يشهد الشمال الأفغاني هذه الأيام تطورات كثيرة وخطيرة قد تعصف بأمنه واستقراره، وأبرزها التظاهرات التي يسيّرها جماعة نائب الرئيس الأفغاني عبد الرشيد دوستم وجماعات موالية لها كـ"الجمعية الإسلامية" بقيادة وزير الخارجية صلاح الدين ربّاني، وحزب "وحدت" الشيعي الذي يقوده نائب الرئيس التنفيذي محمد محقق. تطالب تلك التظاهرات برحيل الرئيس أشرف غني لإعلانه الحملة الأمنية وقيامه بسلسلة اعتقالات في حق القادة الجهاديين أو المسلحين الخارجين عن القانون، المعروفين في أفغانستان بأمراء الحرب. ووصل الأمر إلى إحراق المكاتب وإغلاق الطرق الرئيسية. كذلك من التطورات المهمة قضية المسلحين الأجانب الذين باتوا بمثابة الخطر على الحكومة وحركة "طالبان" أو على جميع المسلحين الأفغان على حد سواء. واللافت هو وجود ربط قوي بين القادة المسلحين وبين الأجانب.
قبل خمسة أعوام تقريباً، حين كان الشمال الأفغاني آمناً نسبياً، تضاربت مصالح أعضاء البرلمان والقادة المحليين وبدأت الخلافات بينهم بسبب المعادن والأحجار الكريمة وتهريبها وتهريب المخدرات. استفحلت تلك الخلافات بينهم، إلى أن وصلت إلى مواجهات مسلحة. هنا لجأ بعضهم إلى اسم "طالبان"، وشكّلوا جماعة صغيرة من المسلحين المحليين في مديرية وردوج بإقليم بدخشان المتمتع بموقع استراتيجي مهم على مستوى المنطقة، واستولوا من خلالها على المعادن وتهريبها فضلاً عن تجارة المخدرات. وادّعت تلك الجماعة أنها تابعة لـ"طالبان"، غير أن قادتها كانوا عملياً متواطئين مع أمراء الحرب لأجل المصالح المادية المشتركة.
لاحقاً، تمكنت حركة "طالبان" من تحريك أبناء المدارس الدينية في الإقليم وإدخالهم إلى الجماعة. ثم تمكنت من السطو الكامل عليها وأصبحت هي فعلاً تابعة لـ"الإمارة الإسلامية" (حركة طالبان) مع محافظتها على علاقاتها السرية مع بعض أمراء الحرب في بدخشان نظراً للمصالح المشتركة.
في البداية المقاتلون الأجانب وهم من جنسيات مختلفة أغلبهم من أوزبكستان وطاجكستان وكازاخستان والصين (تركستان الشرقية) كانوا يقاتلون تحت راية "طالبان"، وكانوا يساهمون أكثر في صنع الألغام وتدريب المقاتلين بدلاً من المشاركة في الحروب إذ كان عددهم ضئيلا جداً. ومع مرور الوقت ازداد عدد هؤلاء، ويقول سكان المنطقة "يصل عدد المقاتلين الأجانب في مديريتي وردوج ويمكان الجبليتين، إلى 700 مقاتل تقريباً، تحت رئاسة أحد المقاتلين القوزاق ويدعى الحاج عبد الغني المشهور في الأوساط القتالية بحاجي فرقان والحاج القوزاقي".
الآن أصبح المقاتلون الأجانب في الشمال الأفغاني كياناً مستقلاً بعد أن نظموا صفوفهم وعيّنوا لهم أميراً، وحصلوا على موارد الدخل من خلال السيطرة على المعادن وتجارة وتهريب المخدرات. وباتت "طالبان" رافضة لهذا الكيان، لتشكيله خطرا على وجودها. كما أن الحركة ادّعت أن هؤلاء "ممولون من قبل استخبارات المنطقة لتهديد دول المنطقة، لا سيما الصين وروسيا، كما أنهم خطر على طالبان والحكومة الأفغانية".
في هذا السياق، قال قائد ميداني في "طالبان" في إقليم بدخشان لـ"العربي الجديد" إن "هناك خلافات قوية بين مسؤول طالبان في إقليم بدخشان القاري فصيح الدين، وبين زعيم الأجانب حاجي فرقان. وسبب الخلافات هو عمليات الأجانب والتي تسبّبت في قتل المدنيين وإلحاق أضرار بمسلحي الحركة". وأشار القيادي إلى "إصدار الحركة بياناً مفصّلاً قبل أيام لسكان بدخشان، طلبت منهم عدم مساعدة الأجانب، خشية منها أن هؤلاء موظفون من قبل استخبارات المنطقة ضد الحركة وضد الشعب لمصالح الأجانب".
أما في قضية المسلحين، فإنه على سبيل المثال في إقليمي فارياب وسريبل، إن قبائل البشتون حملت سلاح "طالبان" بعد أن تعبت من الظلم الذي كانت تمارسه عليها المليشيات التابعة لنائب الرئيس الأفغاني الجنرال عبد الرشيد دوستم. ومعروف أن المليشيات الأوزبكية التابعة لدوستم لها قوة في ستة أقاليم في الشمال الأفغاني. وهناك قصص لآخرين من قادة الحرب مثل عطاء محمد نور الأمين العام للجمعية الإسلامية وهو كان حاكما على إقليم بلخ، وتسبب تعامله مع بعض القبائل في خلق "طالبان" في مديريات عدة، إذ لم يكن لديهم وسيلة للتخلص من هؤلاء سوى اللجوء إلى "طالبان".
منذ أعوام حاول بعض من لهم قوة في الحكومة الأفغانية القضاء على هؤلاء، ولكن في داخل الحكومة هناك من كان يدافع عنهم وحتى الأميركيون كانوا يدافعون عنهم. وقال المدعي العام الأفغاني أيام حكومة كرزاي في حوار جديد له مع قناة "شمشاد" المحلية الذي بث في 12 يوليو/تموز الحالي، إنه "كمدعٍ عام أصدر قرارا باعتقال الجنرال دوستم وعدد آخر من هؤلاء القادة الخارجين عن القانون، إبان حكومة كرزاي ولكن الرئيس الأفغاني آنذاك حامد كرزاي والسفارة الأميركية حالا دون ذلك".
ولأن هؤلاء كانوا في الحكومة منذ عام 2001، وكان لهم السطوة والقوة قبل ذلك، بات القضاء على قوتهم ونفوذهم وإبعادهم عن الساحة صعباً. من هنا لما اعتقلت القوات الخاصة قيصاري بدأ أنصار دوستم وقيصاري يسيّرون تظاهرات شديدة في أقاليم عدة في الشمال، ووقفت معهم جماعات أخرى كـ"الجمعية الإسلامية" وحزب "وحدت". ووصل الأمر إلى إحراق بعض المكاتب الحكومية والمدرعات والسيارات، بل وأغلقت طرق الأقاليم المؤدية إلى العاصمة. ولكن يبدو أن الحكومة لم ترضخ لمطالبهم بل الرئيس يؤكد أن الحكومة ستستمر ضد المسلحين الخارجين عن القانون كي لا يكون السلاح إلا في يد القوات المسلحة. غير أن السؤال الأهم هو: هل ترضى القوات الدولية وتحديداً الأميركية على القضاء على هؤلاء المسلحين، الذين باتوا يدافعون عن مصالحها طيلة الفترة الماضية؟ وسيجيب عنه مدى نجاح الرئيس الأفغاني في القضاء عليهم.