تلوح معالم تغيير جذري للموقف العراقي الرسمي إزاء الأزمة السورية ونظام بشار الأسد. فالحكومة العراقية التي كانت تدعم هذا النظام منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011 وحتى اليوم، تماشياً مع الموقف الإيراني في المنطقة، بدأت، على ما يبدو، تبتعد شيئاً فشيئاً عن هذا المحور، لتتخذ موقفاً جديداً مندداً بالنظام السوري وجرائمه ضد الإنسانية. هكذا، باتت تشير إلى وجود موقف جديد في سياسة التعاطي العراقي تجاه أزمات المنطقة. ويتعلق الأمر بمواقف رسمية، تعكس تغيراً واضحاً في سياسة العراق الداعمة لسورية، وابتعادها عن المحور الإيراني، مقابل اقترابها من المحور العربي-الأميركي، وبما يتماشى مع سياسة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب. كما يتعلق الأمر بحصول هذا الموقف الرسمي على دعم، لا يمكن تجاهله والتقليل من أهميته، من قبل زعيم "التيّار الصدري"، مقتدى الصدر، الذي طالب علناً باستقالة بشار الأسد من الحكم السوري، في موقف مفاجئ.
وفي موقف لم يكن منتظراً، دعا مقتدى الصدر رئيس النظام السوري، الأسد، إلى "تقديم استقالته على خلفية قصف خان شيخون بالكيماوي". وأصدر الصدر بياناً صحافياً كرد على قصف خان شيخون، شدّد فيه على "ضرورة تقديم الأسد استقالته قبل فوات الأوان"، محذراً في الوقت ذاته الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من زج نفسه في محرقة جديدة بسورية، قد تكون شبيهة بحرب فييتنام التي خسرت فيها أميركا الكثير"، وفق تعبيره. واعتبر الصدر أن "المتضرر الأكبر من كل ما يجري في سورية هو الشعب السوري". وطالب الجميع بـ"الانسحاب العسكري من سورية ومنح شعبها زمام الأمور، لأنه صاحب الحق الوحيد في تقرير مصيره". وأضاف أنه يتوجب "على أميركا وروسيا والفصائل الأخرى، كف أذاها عن الشعب السوري، وعلى الأسد أن يتنحى عن الحكم حباً بسورية، ليجنبها ويلات الحروب وسيطرة الإرهابيين، وأن يعطي زمام الأمور إلى جهات شعبية تستطيع الوقوف ضد الإرهاب لإنقاذ الأراضي السورية بأسرع وقت ممكن، ليكون له موقف تاريخي قبل أن يفوت الأوان"، بحسب تعبير الصدر.
ولم يكن موقف العبادي متوقعاً من قبل الأوساط السياسية والشعبية العراقية، شأنه شأن موقف زعيم التيار الصدري. والموقفان يشيران إلى تغيّر واضح في استراتيجية العراق بالتعامل مع القضية السورية وسياسة المحاور في المنطقة، إذ إن الحكومة العراقية و"التحالف الوطني" الحاكم فيها، دعما بشكل واضح وعلني نظام الأسد، منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، على الرغم من كافة المناشدات والدعوات والانتقادات التي تعرضوا لها.
من جهته، رحّب النائب عن التحالف الكردستاني، عرفات كرم، بالموقف الحكومي الجديد إزاء الأزمة السورية، وموقف زعيم "التيّار الصدري"، مؤكداً أن "هذا الموقف يتطابق مع موقف الأكراد، وسيصب بصالح العراق". وقال لـ"العربي الجديد" إنه "من غير الممكن للعراق أن يسكت تجاه (جريمة خان شيخون)، وأن الموقف الجديد للعبادي يشير إلى إدراكه بأنه لا يمكن للعراق أن يكون طرفاً في الصراعات الإيديولوجية في المنطقة، وأنه يجب أن ينأى بنفسه عن المحور الذي لم يخدم العراق"، بحسب تعبير كرم. وأشار إلى أن "موقف الصدر أيضاً موقف وطني وإنساني كبير، وأنّه متطابق أيضاً مع موقف التحالف الكردستاني الذي انتقد وشجب بشدة جريمة خان شيخون المروّعة"، على حد قوله. وأكد أن "التغير الواضح في سياسة الحكومة تجاه الأزمة السورية، سيصب بصالح العراق، وأن هذا التوجه يشير إلى توجه العبادي نحو إرساء دعائم الدولة المدنية في العراق، والابتعاد عن المحور الإيراني الذي يدعو إلى ولاية الفقيه، والذي تؤيده وتدعمه بعض أطراف التحالف الوطني العراقي"، وفق قوله.
واعتبرت عضو لجنة حقوق الإنسان البرلمانية، النائبة أشواق الجاف، الموقف العراقي "إنسانياً يتماشى مع المعايير الإنسانية". وأكدت الجاف خلال حديثها مع "العربي الجديد" أن "الحكومة التي تسكت على جريمة مثل خان شيخون، هي حكومة لا إنسانية، وأن السكوت هو دعم للأنظمة والجهات التي ترتكب الجرائم"، مثنيةً على "موقف العبادي الواضح والصريح".
ورأى مراقبون أن بوصلة الحكومة العراقية المتمثلة برئيسها حيدر العبادي، بدأت بالتحرّك نحو المحور العربي والابتعاد عن المحور الإيراني، الأمر الذي سيعيد بناء الدولة على أسس وطنية تعيد لها استقلاليتها، وتجعل منها دولة ذات تأثير إيجابي في المنطقة، خصوصاً إذا ما حصلت على الدعم العربي.