دخلت واشنطن في أسبوع ساخن. أوضاعها السياسية في حالة غليان. استحقاقاتها الخارجية تتجه نحو المزيد من التأزم وربما الانسداد، في وقت جرى فيه تفريغ دبلوماسيتها من أي زخم. وبذلك يبدو أن العاصفة التي لوّح بها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قبل أيام، آتية بشكل أو بآخر. وثمة أكثر من مؤشر يعزز هذا الاعتقاد.
ومن المتوقع أن يعلن ترامب، قبل نهاية الأسبوع الحالي، قراره بسحب الثقة من الاتفاق النووي الإيراني، بحجة أنه "لا يخدم المصلحة الأميركية". زعم يخالفه أركان فريق الأمن القومي في إدارته، وعلى رأسهم وزير الدفاع، جيمس ماتيس، المؤثر أكثر من غيره في قرارات الرئيس. وقد يؤدي الرفض إلى نشوء توتر، للمرة الأولى، في علاقتهما. لكن لا يبدو أنه في وارد التراجع، إلا إذا طرأ مانع مستبعد، مثل تهديد أركان في فريقه للأمن القومي بالاستقالة لو فعل. أولوياته تتقدم على الاعتبارات الأمنية التي ينظر أهل الخبرة والاختصاص من عدستها إلى الاتفاق، فهو بعدم موافقته يرضي قاعدته السياسية المتقلصة بكل حال، وربما هو يفعل ذلك لوقف تآكلها، ثم يرمي كرة الاتفاق في ملعب الكونغرس لإرباكه، خصوصاً الجمهوريين كرد فعل على عدم تعاونهم مع أجندته التشريعية، فإن فرضوا عقوبات جديدة على إيران في غضون شهرين، يجري تحميلهم مسؤولية التصعيد المتوقع في أعقاب مثل هذه الخطوة، وربما مسؤولية المواجهة العسكرية مع طهران لو وقعت، وإن عزفوا عن هذا الخيار يجري التشهير السياسي بهم أمام قواعدهم المحافظة للتخريب عليهم في الانتخابات. وفي الحالتين، علاقة الرئيس مع الكونغرس سائرة نحو المزيد من التوتر والخلافات.
المؤشر الثاني، يعكسه توسع دائرة الخلافات المتأزمة أصلاً بين البيت الأبيض والكونغرس. ففي عدة تغريدات له، صعّد ترامب من اشتباكه مع رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، السناتور الجمهوري، بوب كوركر، ووصفه بأنه صوت سلبي في الكونغرس، وأنه خاف من الفشل "من دون تأييدي له"، فأعلن عن عدم ترشيح نفسه في انتخابات السنة المقبلة. وكان السناتور قد أعرب عن شكوكه بكفاءة الرئيس واتزانه المولّد "لفوضى حال دون وقوعها وجود الثلاثي ماتيس – (كبير الموظفين في البيت الأبيض جون) كيلي – (وزير الخارجية ريكس) تيلرسون". كما أعرب عن أسفه "لتحوّل البيت الأبيض إلى مركز رعاية لمن بلغوا سن الرشد". كلام جارح يعكس عمق التنافر واتساع الفجوة بين البيت الأبيض وقيادي بارز في الكونغرس الذي لا يخفي كثيرون من أركانه تأففهم وضيقهم من ممارسات الرئيس.
المؤشر الثالث يتمثل في تحول الخلاف بين ترامب ووزير الخارجية، ريكس تيلرسون، إلى مشروع أزمة جديدة داخل الإدارة. وصف تيلرسون للرئيس بأنه "أبله" وترداد هذه العبارة التي سلطت وسائل الإعلام دائرة الضوء عليها منذ تسريبها قبل أيام، أثار "حنق" البيت الأبيض، الذي يقال إنه لن يتسامح مع هذه الهفوة، ولو أنها حصلت في لحظة انفعال بعدما طفح فيها كيل الوزير من تعامل ترامب مع القضايا الخارجية ومن كثرة العصي التي وضعها في دواليب قطاره الدبلوماسي. فالشعرة انقطعت بينهما، والهمس في واشنطن يتزايد حول البحث عن بديل لتيلرسون. وبرز اسم مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، مايك بومبايو، كبديل عن تيلرسون. ويبدو تسريب الأسماء متعمداً لدفع تيلرسون نحو الاستقالة، وإعفاء الرئيس من قرار إقالته، لما قد يترتب على ذلك من ردة فعل رافضة داخل الإدارة أو الكونغرس، وبالذات من جانب لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، وخصوصاً أن دوره في تجميد وحلحلة الأزمة الكورية الشمالية قد حظي بالتقدير، رغم التخريب عليه من قبل البيت الأبيض، الذي عاد وكرر تقليله من أهمية هذا الدور بزعم "أن هناك وسيلة واحدة فعالة" غير الدبلوماسية، تصلح للتعامل مع كوريا الشمالية، في تجديد للتلويح بالخيار العسكري الذي تخشى جهات ودوائر كثيرة الانجرار إليه ولو عن غير قصد. تمر أميركا في موسم الأعاصير، بدأت بالطبيعي منها، ثم الدموي المحلي، والآن يأتي على ما يبدو دور العواصف السياسية – الخارجية التي تنذر بها أجواء واشنطن المشحونة بالتوتر. الأولى عابرة رغم وسع رقعة الدمار، والثانية، التي يمثلها ثنائي السلاح والعنف يتم تجاوزها كالعادة وإن بالترقيع برغم ثقل وقع مجزرة لاس فيغاس ولحين وقوع واحدة أخرى. تبقى عواصف ترامب، الأخطر في اعتقاد المراقبين، لأنه يتعذر التكهن بخسائرها.