منح تفجير الكرادة، وسط بغداد، والذي أوقع نحو 400 قتيل وجريح، الفرصة لكتل سياسيّة وللمليشيات لانتزاع مكاسب جديدة على حساب "حضور الدولة"، من خلال الضغط على رئيس الحكومة، حيدر العبادي، وتحميله مسؤوليّة التفجير، لنقل ضبط الأمن ببغداد للمليشيات.
وقد بدأ قادة مليشيات "الحشد" و"التحالف الوطني"، فعلياً، في الضغط على العبادي للسيطرة على الملف الأمني في عدد من مناطق بغداد وتسليمه للمليشيات، الأمر الذي لن يستطيع رئيس الحكومة رفضه، خاصة مع تصاعد الغضب الشعبي والسياسي ضدّه.
وبعد أن رضخ لضغوط تنفيذ أحكام الإعدام، التي طاولت عدداً من المعتقلين، وستطاول آخرين، يتجه العبادي لتسليم أمن بغداد للمليشيات، الأمر الذي يحذر منه مراقبون ويشددون على تداعياته الخطيرة.
وكشف نائب في "التحالف الوطني"، لـ"العربي الجديد"، عن أنّ "التحالف عقد، مساء أمس، اجتماعاً، بحضور رئيس الحكومة وعدد من قادة التحالف وقادة "الحشد الشعبي"، لبحث تداعيات الانتكاسة الأمنيّة في بغداد"، مبيّناً أنّ "المجتمعين انتقدوا عدم إدارة الملف الأمني بالشكل الصحيح داخل العاصمة، والاهتمام بملف الجبهات الخارجية على حساب الداخل".
وأضاف النائب أنّ "المجتمعين حمّلوا العبادي مسؤوليّة الانتكاسة، باعتباره القائد العام للقوات المسلّحة"، مبيّناً أنّ "المجتمعين أجمعوا على عدم إمكانيّة بقاء الملف الأمني في بغداد على حاله، وأنّه يجب اتخاذ تغييرات عاجلة على مستوى تقسيم المهام وعلى صعيد القيادة".
وأشار المتحدث ذاته إلى أنّ "قادة "الحشد" طرحوا تسلّم الملف الأمني في عدد من مناطق بغداد، ومنها الكرادة، مع توفير الإمكانات اللازمة لهم للقيام بذلك"، وأنّ "قادة التحالف أيّدوا ذلك، فيما لم يستطع العبادي رفض الطرح، بسبب فشل القوات الأمنيّة في حفظ أمن بغداد"، مؤكداً أنّ "قادة الحشد سيعدون خطّة ودراسة ميدانيّة لهذا الطرح، وسيعرضونها قريباً على قادة التحالف وعلى رئيس الحكومة، ليبدأ التطبيق الفعلي بانتقال ملف عدد من مناطق العاصمة إلى المليشيات".
وفي السياق، حذّر الخبير الأمني، فالح حسّان، من "خطورة استلام مليشيا الحشد لملف أمن بغداد، وما سيتبعه من عمليّات انتقاميّة ضد مكون معيّن".
وقال حسّان، خلال حديثه مع "العربي الجديد"، إنّ "مليشيا الحشد تنتظر فرصة استلامها الملف الأمني ببغداد، وهو غاية طموحها، لتتاح لها فرصة كبيرة لتنفيذ أعمالها وأجندتها الانتقاميّة"، مبيّناً أنّه "في حال تمت الموافقة على ذلك، فلن تكون أي من مناطق بغداد بمأمن من بطش الحشد وانتهاكاته، وستعود عمليّات الدهم والاعتقال على الهوية من جديد".
وأكّد الخبير الأمني على ضرورة أن "يتلافى العبادي هذه الأزمة ويحسب نتائجها الخطيرة بشكل صحيح، قبل أن يخرج الملف عن السيطرة".
إلى ذلك، تعهّد قائد مليشيا "بدر"، هادي العامري، بـ"ملاحقة حواضن الإرهاب في العاصمة بغداد ممن يهددّون الأمن الوطني، بحرب مشابهة لمعارك التحرير من "داعش"".
وبحسب موقع مليشيا "الحشد الشعبي"، قال العامري، خلال حضوره مجالس عزاء قتلى تفجير الكرادة، إنّ "التفجير الذي طاول الكرادة لن يمرّ دون حساب"، متوعداً "حواضن الإرهاب" في العاصمة بـ"صولة مشابهة لتحرير البلاد من وجود تنظيم "داعش"".
وأضاف أنّ "توقيت تنفيذ العملية الإرهابية تزامن مع انتصارات القوات الأمنية و"الحشد الشعبي" في أهم المعارك، والتي تحقق من خلالها تحرير مدينة الفلوجة، بهدف مصادرة أفراح الشعب بهذه المناسبة، والتي انتظرها الجميع بفارغ الصبر"، مؤكّداً "أهميّة إعادة النظر بالخطط الأمنيّة والاستعانة بالجهد الشعبي في توفير المعلومة الاستخبارية، والتي من شأنها أن ترصد تحركات الجماعات المشبوهة والإبلاغ عنها للحيلولة دون تكرار هذه الحوادث".
يشار إلى أنّ تفجير الكرادة وضع رئيس الحكومة بموقف ضعيف للغاية، إذ أنّ خصومه السياسيين استغلوا ذلك، من خلال فرض أجنداتهم عليه، في وقت رضخ العبادي لهم خشية تأليب الشارع الغاضب ضدّه، وما قد يتبعه من نتائج لا تصب بصالح حكومته.