كيف رد حفتر على الدعوات لـ"الهدنة الإنسانية" في ليبيا؟

05 ابريل 2020
سقوط قتلى بصفوف قوات حفتر (عبد الله دومة/فرانس برس)
+ الخط -

لا تزال محاور القتال في ليبيا تشهد تجدداً متقطعاً للقتال بين قوات حكومة الوفاق وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وخصوصاً في محاور جنوب طرابلس في العزيزية، مروراً بالساعدية، ووصولاً إلى مشروع الهضبة وعين زاره، الحيين الأكثر اكتظاظاً بالسكان، فيما لا تزال الدعوات الدولية تتوالى لوقف القتال في إطار "هدنة إنسانية"، بعد تراجع الحديث الدولي والأممي عن وقف القتال للعودة إلى العملية السياسية والحوار.

واتجهت عملية "عاصفة السلام"، التي أطلقها حكومة الوفاق في 26 من الشهر الماضي، "رداً على استمرار قوات حفتر في استهدافها الأحياء المدنية"، وبهدف إبعاد خطر قذائفها العشوائية عن المدنيين، إلى التعويل على سلاح الجو من خلال توجيه ضربات جوية متتالية على مواقع حفتر، خصوصاً في مواقعها الخلفية ومراكز القيادة.

وفي آخر مستجدات العملية العسكرية الجديدة، قال المتحدث الرسمي باسم مكتب الإعلام الحربي لعملية "بركان الغضب"، عبد المالك المدني، إن سلاح الجو نفذ، خلال الساعات الماضية، عدة ضربات ناجحة "على مواقع مليشيات حفتر في محيط سرت وجنوب غرب طرابلس"، موضحاً أن الغارات استهدفت في الأولى "البوابة الرئيسية لقاعدة الوطية بضربة جوية دقيقة تمكن خلالها من تدمير عدد من الآليات المسلحة، وسقط على إثرها عدد من القتلى والجرحى في صفوف مليشيات حفتر".

 

وأضاف المدني، في حديث لــ"العربي الجديد"، أن الغارة الثانية استهدفت "سيارة ذخيرة وآلية عسكرية بوادي امراح غرب مدينة سرت"، مؤكداً أنه قتل خلال الغارة 7 عناصر من مسلحي حفتر.

هدنة إنسانية

وعن إمكانية قبول قوات الحكومة بالهدنة، أكد المدني أن حكومة الوفاق أعلنت عن القبول بها منذ اللحظات الأولى، لكن الطرف الآخر بادر بالرد في الميدان من خلال قصف المدنيين، مشيراً إلى استمرار قصفه الأحياء المدينة حتى الأمس، إذ أصيبت سيدة بشظايا قذيفة عشوائية سقطت قريباً من الباب الخلفي للمركز الطبي بطرابلس.

وبعد أن دعت الأمم المتحدة أطراف النزاع في البلاد إلى "هدنة إنسانية" تتمكن بموجبها السلطات المحلية من مجابهة وباء "كورونا"، وانضمت إلى الدعوة تسع سفارات دول عربية وأجنبية، إذ في منتصف الشهر الماضي، كرر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتريس، دعوته لوقف القتال، معتبراً، خلال مؤتمر صحافي الجمعة الماضي، أن استمرار القتال "يعدّ غير مقبول من ناحية أخلاقية" في ظروف انتشار فيروس كورونا الجديد حول العالم، لكن الرد من جانب قيادة قوات حفتر كان غريباً، خصوصاً مع إعلان "اللجنة العليا لمكافحة وباء كورونا" إرسال فرق لتعقيم مواقعها في محاور القتال.

وأضاف حفتر إلى زعمه استمراره في "مكافحة الارهاب" أيضاً مكافحة كورونا، إذ أعلن، في منتصف الشهر الماضي، عن تأسيس "اللجنة العليا لمكافحة وباء كورونا"، وعيّن على رأسها رئيس الأركان بقواته عبد الرزاق الناظوري.

وشدد الناظوري، في تصريحاته المتكررة واليومية، على ضرورة إرسال فرق لـ"تعقيم" مواقع القوات وتمركزاتها في محاور جنوب طرابلس وفي محيط سرت.

وبحسب تصريحات الناظوري، فإن "القوات المسلحة (قوات حفتر) تكافح الإرهاب في طرابلس، مثلما تعمل اللجنة في مكافحة مرض كورونا بمختلف أرجاء البلاد"، موجهاً خطابه إلى مقاتلي حفتر في محاور جنوب طرابلس بقوله إن "كورونا لم ولن يأتي إلى ليبيا طالما تم الالتزام بتطبيق القرارات الاحترازية المتخذة في مواجهة المرض"، في إشارة إلى جملة من الإرشادات الوقائية التي وزعتها قيادة حفتر على مقاتليها في المحاور.

وأشار الناظوري، في خطابه لليبيين، إلى ضرورة "الوعي بالإرهاب" الذي تكافحه قواته كما هو "الوعي بفيروس كورونا".

وفيما يخص قوات الحكومة، فقد طالبت غرفة العمليات المشتركة لعملية "بركان الغضب" جميع المقاتلين التابعين لها بـ"عدم لمس أي معدات أو آليات أو أسلحة عند الاقتحام أو عند التعامل مع المقبوض عليهم من الإرهابيين والمرتزقة الأجانب، ضماناً لسلامة أبطالنا من احتمال انتقال عدوى الإصابة بفيروس كورونا".

وأعلنت الصفحة الرسمية للعملية، الخميس الماضي، عن "وصول شحنات جديدة من أدوات ولوازم الوقاية الشخصية"، مؤكدة أنها "وُزّعت على المقاتلين في محاور القتال".

وأشارت عملية "بركان الغضب"، على صفحتها الرسمية، إلى أن "الخطوة جاءت تنفيذاً لتعليمات غرفة العمليات المشتركة لعملية "بركان الغضب" لجميع المقاتلين بضرورة التقيد بعدة خطوات وقاية".

وبرر الناشط السياسي الليبي عقيلة الأطرش إجراءات قوات الحكومة الوقائية، مشيراً إلى أنها "قوات مدافعة"، لكنه تساءل: "كيف نفهم تصرفات حفتر الذي يدفع بشباب ليبيين وغير ليبيين للموت في حين يدعي أنه سيحميهم من كورونا؟!".

وقال الأطرش متحدثاً لـ"العربي الجديد" إن "اللجنة خطوة صريحة للاستيلاء على أموال الطوارئ المخصصة لمجابهة انتشار الفيروس"، مستدلّاً بتصريحات للناظوري يمنع فيها "البلديات من تشكيل أي جهة أو لجنة لمواجهة الوباء، وأن هذا الاختصاص أصيل للجنته العليا التي كونها حفتر".

وانتقد المتحدث ذاته تصريحات حفتر "التي تتجه لاستثمار كل شيء من أجل استمرار الحرب حتى ولو كانت معاناة الإنسان وأمواله مخصصة للحد من خطر فيروس عجز العالم في مواجهته".

واعتبر الأطرش أن "خطوات حفتر رد صريح على الدعوات الدولية والأممية للهدنة الإنسانية".

دعوات

وجدّد الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية والأمم المتحدة الدعوة لوقف القتال، في بيانات منفصلة أمس بمناسبة مرور سنة على عدوان حفتر على العاصمة، لكن بيان البعثة الأممية في ليبيا حث الأطراف الليبية أيضاً على ضرورة "تبني مخرجات مؤتمر برلين وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2510 والانخراط دون إبطاء في المسارات الثلاثة (العسكرية والسياسية والاقتصادية) التي يدعو إليها هذا الاتفاق بقيادة الليبيين وتيسرها الأمم المتحدة".

 

ووصف الباحث السياسي الليبي، سعيد الجواشي، بيان البعثة بأنه "متناقض"، مشيراً إلى أن "الأمم المتحدة لا تزال تسير في ذات الاتجاه المهادن لحفتر".

وتساءل الجواشي، في حديثه لـ"العربي الجديد": "كيف تدعو البعثة إلى المسار السياسي مجدداً وتقول في ذات القوت إن حفتر "بدد آمال الكثير من الليبيين بتحقيق انتقال سياسي سلمي"، واعترفت بأنه من قوّض جهودها السياسية في غدامس العام الماضي".

وأضاف الباحث الليبي أن البعثة "تحوّلت لجهة تحصي أعداد القتلى والمهجرين والمصابين فقط، دون أن يكون لها دور سياسي أو سلمي"، مؤكداً أن "الميدان هو ما سيصنع الفارق".

وقال: "حفتر يرد على الدعوات الدولية باستهزاء صارخ، بل وحتى بمقاتليه عندما يقول إنه سيعقم مواقع القتال"، مشيراً إلى أن "بيانات الجهات المؤيدة لقوات "بركان الغضب" تعبر عن موقف واقعي بعيداً عن الدعوات والخطوات الدولية التي لا تسعى لحلول سلمية".​