* كيف يعمل حزب العدالة والتنمية على موضوع التحالفات وتشكيل الحكومة المقبلة؟
بعد تعيين الملك، محمد السادس لرئيس الحكومة، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، اجتمعت الأمانة العامة للحزب، وقيمت الاستحقاقات الانتخابية التي جرت في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وبوأت الحزب المكانة الأولى من حيث عدد المقاعد والأصوات، بحصيلة غير مسبوقة في تاريخ الوطن والحزب. بعد ذلك باشر رئيس الحكومة المعين مشاوراته الأولية مع كل الأحزاب السياسية، باستثناء "الأصالة والمعاصرة"، الذي كنا أعلنا قبل الانتخابات عدم إمكانية التحالف معه. وهكذا استقبل على التوالي، قياديين في أحزاب الحركة الشعبية، ثم التقدم والاشتراكية، ثم الاستقلال، فالاتحاد الدستوري، في حين تأخر استقبال الرئيس الجديد لحزب التجمع الوطني للأحرار إلى حين عقد التجمع مؤتمره الوطني الاستثنائي. وفي كل مرة تجتمع قيادة الحزب، كانت تطّلع أولاً بأول على مسار المشاورات الحكومية، وتقدم تقييمها لهذا المسار، حيث أكدت في اجتماعها مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الحالي أن "الشروط التي يتعين اعتبارها في تشكيل الحكومة وتحديد مكوناتها هي احترام الإرادة الشعبية، والقواعد الديمقراطية، واحترام المواطنين الذين بوأوا حزب العدالة والتنمية الصدارة، والتعيين الملكي الذي كرس تأويلاً ديمقراطياً للدستور".
*ماذا تقصدون بأن تشكيل الحكومة سيخضع للإرادة الشعبية؟
القصد واضح من الفصل 47 من الدستور الذي يمنح الملك سلطة "تعيين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها"، وأن قيادة الحكومة لا يستحقها غير الحزب الأول. لذلك لا يمكن أن يُفهم، أو يُقبل، أي التفاف على الإرادة الشعبية المعبر عنها في 7 أكتوبر من قبيل بعض الاصطفافات الغامضة، أو السعي للي ذراع رئيس الحكومة المعين، أو فرض شروط مسبقة لا تنسجم مع منهجية تشكيل الأغلبية/الموالاة للحكومة، حيث إن معالجة الشروط والبت في تفاصيل المشاركة الحكومية لاحقة لا سابقة. ثم إننا لا نعرف للحكومة المراد تشكيلها
رئيساً غير بنكيران، ولا يمكن أن يتصرف البعض بمنطق الرئيس غير الرئيس. ومن جهة أخرى، فإن رسالة الشعب المغربي في الانتخابات واضحة، وتبينت إرادته بتجديد التفويض لحزب العدالة والتنمية إلى جانب شركائه الجدد لمواصلة الإصلاحات التي انطلقت منذ العام 2012 وتعزيز المسار التنموي لبلدنا. لذلك، إذا كان المغاربة يترقبون اليوم تشكيل الغالبية للحكومة الجديدة وأيديهم على قلوبهم، فلأنهم يخافون على آمالهم أن تتبخر.
*ما الصيغة الأقرب إلى حزب العدالة والتنمية. التحالف مع حزب الاتحاد الاشتراكي أم التجمع الوطني للأحرار؟
إن حزب العدالة والتنمية لا يعتمد تراتبية في تحالفاته. صحيح أنه حسم تحالفه مع حزب التقدم والاشتراكية قبل الانتخابات، حيث توّجا لقاء قيادتي الحزبين بالإعلان عن تحالف استراتيجي بينهما، وهو ما لم يتم مع حزب الحركة الشعبية التي التقت قيادته مع قيادة العدالة والتنمية من دون أن يسفر عن قرار مماثل. إن قرار "العدالة والتنمية" الوحيد الملزم هو عدم التحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة، وقد اعتمد رئيس الحكومة منهجية في مباشرة مشاوراته الأولية مع الأحزاب المشكلة للحكومة السابقة، وهكذا بدأ بالحركة الشعبية ثم التقدم والاشتراكية وانتهى بالتجمع الوطني للأحرار، لاعتبار يتعلق به لا بنا. وبعد الحزبين الأولين استقبل على التوالي قيادة حزب الاستقلال ومن ثم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. لم يحكمنا في تقدير التحالف مع "الاتحاد الاشتراكي" و"التجمع الوطني للأحرار" منطق التراتبية أو الأفضلية، فكل حزب له مكانته في المشهد الحزبي المغربي، ووجودهما معاً في الحكومة المقبلة عنصر قوة وغنى لها، فالأول له ثقل تاريخي وسياسي، ومن الممكن، في تقديري، أن يسهم في البناء الديمقراطي لبلدنا واستعادة دوره التاريخي، بصرف النظر عن وضعه التنظيمي والسياسي الحالي. والثاني حزب أصيل وإسهامه السابق والمرتقب من أجل التطور الديمقراطي والتنموي لبلدنا ليس محل خلاف، ويمتلك من المؤهلات والخبرات والتجربة ما يجعله جديراً بأن يكون شريكاً لحزب العدالة والتنمية في بناء التحالف الحكومي المقبل.
*ما قراءتك للمواقف الأخيرة لزعيم "الاتحاد الاشتراكي"، إدريس لشكر؟
ما لم نفهمه هو الالتباسات التي تحكم خطاب زعيم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إدريس لشكر، فدعوته المبطنة، في كلمته أمام أعضاء اللجنة الإدارية لحزبه، للتحالف مع "الأحرار" في سياق المشاورات الحكومية الجارية حالياً، لا تنسجم مع موقفه يوم دعا رئيس الحكومة، حين عقدا اجتماعهما التشاوري الأول، إلى إعلان تشكيل الحكومة الجديدة من دون التجمع الوطني للأحرار، وهو الأمر الذي لم يستجب له رئيس الحكومة، تاركاً الباب مفتوحاً، خصوصاً أمام "الأحرار". ثم إن لشكر صرح للصحافة مباشرة بعد الاجتماع بأنه سيسهل مهمة رئيس الحكومة، ثم أعلن، خلال انعقاد اللجنة الإدارية لحزبه، أنه ينتظر عرضاً جدياً من بنكيران. فكيف يستقيم الأمران؟ ليس لدى رئيس الحكومة ما يعرضه على لشكر، وعندما يتم تشكيل الغالبية، فإنها ستكون الفضاء المؤسساتي الوحيد لبحث كل الاختيارات المتعلقة بالحكومة، انطلاقاً من إرادة الشعب المغربي، والتي عبر عنها في 7 أكتوبر، وإرادة الملك في خطابه التاريخي من العاصمة السنغالية دكار لمناسبة الذكرى الـ 41 للمسيرة الخضراء.
*كيف يمكن أن تكون الحكومة المقبلة، إذا ما تشكلت، قوية ومنسجمة، برأيك. ما هي شروط ذلك؟
يمكن للحكومة المقبلة أن تكون قوية بقلة الأحزاب التي تشكلها، وتقليص حقائبها، واقتراح تلك الأحزاب لذوي الكفاءة والنزاهة الجديرين بثقة رئيس الحكومة والملك، واحترام وتقدير الشعب المغربي، ثم ببرنامجها الذي ينبغي أن يستجيب لتوقعات المواطنين، وأن يكرس الإصلاحات التي انطلق قطارها منذ العام 2012، ويعالج الخلل الذي يعتري السياسة العامة، ومنها إصلاح التعليم والإدارة ومحاربة الفساد وتحفيز التشغيل، وغيرها من المواضيع الوطنية. ومن جهة أخرى يمكن للحكومة المقبلة أن تكون منسجمة أكثر مما كانت عليه الحكومة المنتهية ولايتها، بانضباط كل مكوناتها، بمن فيهم الوزراء غير الحزبيين، وتحمل كل تلك المكونات المسؤولية الشخصية والتضامنية، وضرورة العودة إلى المؤسسات لبحث ومعالجة كل القضايا والإشكالات التي قد تكون على صلة بالعمل الحكومي.
*هناك من يتحدث عن ضرورة إرساء ميثاق أخلاقي يحكم عمل الغالبية الحكومية. كيف تقرؤون هذا المطلب تحديداً؟
من العناصر التجديدية في منهج الغالبية الحكومية السابقة أنها اعتمدت، قبل التعيين الملكي لأعضائها والتنصيب البرلماني للحكومة، سنة 2011 ميثاقاً يضبط العلاقات بين أطرافها ويحدد منهج العمل بينها والعلاقة بين الكتل البرلمانية، وهو الميثاق الذي تم تجديده في النسخة الثانية للحكومة السابقة عندما التحق بها حزب التجمع الوطني للأحرار. لذلك، فإن مطلب إرساء ميثاق أخلاقي يحكم عمل الأكثرية الحكومية أمر حيوي، وينبغي أن يعتمد بناء على تقييم عميق للميثاق السابق بهدف ترسيخ إيجابياته ومعالجة مكامن الخلل فيه، والأهم أن يشكل ذلك الميثاق مرجعية أساسية في عمل الغالبية الحكومية ومرجعية عند الخلاف إذا وقع.