كشفت مصادر سياسية عراقية، عن جهود مكثفة يبذلها مسؤولون إيرانيون، منذ أيام، للدفع باتجاه تشكيل تحالف "شيعي" يستثني رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وتحالفه "النصر"، على خلفية موقف الأخير المؤيد للعقوبات الأميركية على إيران، من أجل إقصائه عن تشكيل الحكومة.
وأكد مصدر سياسي مقرّب من تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لمليشيا "الحشد الشعبي"، لـ"العربي الجديد"، اليوم الإثنين، أنّ "الموقف الأخير للعبادي، دفع الإيرانيين إلى التفكير في دعم تحالف لا يخضع للإملاءات الأميركية".
وكشف أنّ التحرّكات الإيرانية شملت تحالف "الفتح"، وائتلاف "دولة القانون" الذي يتزعمه رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، بشكل أساسي، فضلاً عن إجراء اتصالات بتيارات وشخصيات سياسية "شيعية" أخرى فائزة في الانتخابات البرلمانية.
كما أشار المصدر، إلى دخول قيادات من "حزب الله" اللبناني على خط الوساطة بين القوى "الشيعية"، مؤكداً قيام أعضاء في "الفتح" وائتلاف "دولة القانون" بزيارة لبنان من أجل إجراء مشاورات بهذا الشأن في بيروت، بين تحالف "سائرون" التابع لزعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، وتحالف "الفتح".
ولفت إلى قيام "حزب الله" اللبناني بمحاولات للتقريب بين حلفاء إيران في العراق، وتحالف "سائرون"، موضحاً أنّ هذه المحاولات "لم تنجح"، بسبب رفض قيادات "سائرون" الانضواء ضمن تحالف مدعوم إيرانياً.
وفي السياق، قال القيادي في تحالف "الفتح"، عامر الفايز، في تصريح صحافي، إنّ قيادات في التحالف زارت لبنان، مؤخراً، من أجل مناقشة مسألة تشكيل "الكتلة البرلمانية الكبرى" مع قوى أخرى، موضحاً أنّ "ما جرى هناك لا يزال مجرد حوارات ونقاشات، ولم يصل إلى مستوى اتفاقات".
إلى ذلك، قال القيادي في تحالف "سائرون"، أيمن الشمري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "تحالف سائرون هو الأحق بتشكيل الحكومة المقبلة"، مؤكداً "الاشتراط على الكتل التي تريد التحالف معه الالتزام بالبرنامج الوطني".
وأوضح أنّ "تحالف سائرون لا يتمسّك بمنصب رئيس الوزراء، إلا أنّه يشترط في الشخصية التي تتولّى المنصب أن تكون وطنية"، مشدداً على "ضرورة الابتعاد عن مبدأ المحاصصة الذي سارت عليه الحكومات السابقة".
وأعلنت مفوضية الانتخابات العراقية المنتدبة، الأسبوع الماضي، عن نتائج العد والفرز اليدوي للانتخابات البرلمانية التي جرت في 12 مايو/أيار الماضي، بعد الطعن في النتائج السابقة، وقالت إنّ جميع النتائج متطابقة من حيث حصص الكتل السياسية، ما عدا محافظة بغداد، التي تغيّر فيها مقعد واحد.
ووفقاً لهذه النتائج، فإنّ "تحالف سائرون" التابع للتيار الصدري يبقى أولَ بواقع 54 مقعداً، يليه "تحالف الفتح" (الجناح السياسي لـ"مليشيات الحشد الشعبي") بواقع 47 مقعداً، ثم "النصر" بزعامة العبادي بواقع 42 مقعداً، تليها كتل "دولة القانون" بزعامة المالكي، و"الوطنية" بزعامة إياد علاوي، و"الحكمة" بزعامة عمار الحكيم، بنتائج متقاربة.
في الأثناء، أكدت مصادر سياسية، لـ"العربي الجديد"، وجود تقارب بين تحالفي "النصر" بقيادة العبادي و"سائرون" بقيادة الصدر، "في محاولة لتشكيل كتلة برلمانية قادرة على مواجهة التحالف الذي تريد إيران تشكيله"، موضحة أنّ "الكتلة في حال تم التوصل إلى تشكيلها، ستتوجه نحو إقناع قوى أخرى مهمة بالانضمام إليها".
وأكد رئيس "مركز التفكير السياسي"، مستشار رئيس الوزراء العراقي، إحسان الشمري، أنّ ما سماها "قوى الوسط" تقترب من الاتفاق على تشكيل "الكتلة الكبرى" على أسس وطنية، موضحاً أنّ هذه القوى هي "النصر"، و"سائرون"، و"الحكمة"، و"الوطنية".
ويشهد العراق حراكاً متواصلاً لتشكيل "الكتلة الكبرى" في البرلمان الجديد، والتي يضعها الدستور شرطاً قبل الشروع في اختيار رئيس الوزراء المقبل.
العبادي يتحرك باتجاه الكرد
إلى ذلك، كشف مسؤولون عراقيون في بغداد، اليوم الاثنين، عن محادثات جديدة يجريها وفد يمثل العبادي مع قيادات كردية، بهدف التوصل إلى اتفاق يفضي الى دعم كردي لحصول العبادي على ولاية ثانية في الحكومة، في وقت تسربت معلومات عن وجود ضغط أميركي على الأكراد لدعم رئيس الوزراء، والاتفاق على برنامج يعيد تنظيم العلاقة بين بغداد وأربيل، ويزيل آثار الفترة الماضية، وما خلفه استفتاء الانفصال الكردي عن العراق.
وقال سياسي بارز في تحالف "النصر" الذي يتزعمه العبادي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "حوارات جديدة بدأت مع الإخوة الكرد، وكانت فعالة وجيدة"، على حدّ قوله، مبيناً أن "هناك خطوات متسارعة لحسم الخلافات مع الجانب الكردي، خصوصاً مع الحزب الديمقراطي الكردستاني"، وأنّ "الجانبين يعملان على إعادة ترتيب العلاقة المشتركة وحسم الملفات العالقة بينهما".
وأكد المصدر أنهّ "قريباً سيتم حسم النقاط التي لا تزال قيد البحث، في ما يخص كركوك وإدارة المناطق المتنازع عليها، وملفات النفط وغيرها من الملفات التي تعد من الملفات العالقة بين الجانبين"، مبيناً أنّ "العبادي يعول على الدعم الأميركي بالتقريب بينه وبين الجانب الكردي، للتحالف والسعي لتشكيل الكتلة الكبرى، خصوصاً أنّ الولايات المتحدة تدعم العبادي في تولي ولاية ثانية، كما أن لها تأثيرا كبيرا على القيادات الكردية في إقليم كردستان".
وأكد أنّ "العبادي قطع الطريق أمام التحالفات الأخرى (الفتح ودولة القانون) للتحالف مع الكرد، بعدما فتح يده أمام الجانب الكردي، ومنح الوعود له"، مبيناً أنّ "أي إعلان للتحالف بين الطرفين لن يتم قبل الانتهاء من تقديم الطعون بشأن العد اليدوي، ومصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات رسميا".
ويأتي ذلك في ظلّ تسريبات تحدثت عن ضغط أميركي على معسكري الأكراد في أربيل والسليمانية لدعم العبادي لولاية ثانية والاتفاق على برنامج ينظم العلاقة بين بغداد وأربيل.
ووفقا لمصادر كردية في أربيل تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن الولايات المتحدة حتى الآن "تدعم العبادي لعدم وجود بديل مقنع من بين الأسماء المطروحة لرئاسة الوزراء خلال الأشهر الثلاثة الماضية".
ويؤكد الجانب الكردي، أنّ أساس حواره هو تطبيق الدستور، بعيداً عن المزاج السياسي. وقالت النائبة عن "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، أشواق الجاف، لـ"العربي الجديد"، إنهم "يسعون للذهاب الى بغداد بوفد واحد"، مضيفة "لقد وجهنا دعوة الى الأحزاب الكردية، وقد استجاب الاتحاد الوطني لدعوتنا"، ومؤكدة أنّه "في حال عدم استجابة الأحزاب الكردية الأخرى للدعوة، فإنّ انتظارنا لن يطول لها، وسنبدأ الحوارات".
وأشارت الجاف الى "عدم وجود خط أحمر لدينا على أي شخصية في بغداد، ونحن لا شروط لدينا، وإنما حقنا وأساس النقاش هو تطبيق الدستور بروح القانون، وليس بروح المزاج السياسي، وأن يتم تحقيق العدالة بين كافة أبناء الشعب العراقي".