في اليوم الخامس من حملتها العسكرية على محافظة درعا جنوبي البلاد، سعت قوات النظام السوري مجدداً إلى إحداث اختراق في دفاعات فصائل المعارضة شرقي درعا، بينما كثفت من قصفها الجوي والمدفعي والصاروخي، في وقت تعاظمت فيه معاناة المدنيين الذين واصل الآلاف منهم النزوح من بيوتهم إلى أماكن أكثر أمناً، خصوصاً في الريف الشرقي للمحافظة الذي أُعلن منطقة منكوبة، وسط تحذيرات محلية ودولية من المخاطر المهددة للمدنيين في هذه المناطق، وعموم المحافظة.
وأعلن الإعلام الحربي التابع للنظام أن "قواته أحرزت تقدماً على حساب فصائل المعارضة في محيط منطقة اللجاة"، مشيراً إلى أنها "سيطرت على قرى الشومرة والمدورة والعلالي وبرغشة والشياحات، وسط مواجهات مستمرة".
من جهتها، نفت فصائل المعارضة وجود أي تقدم لقوات النظام السوري، خلال الحملة العسكرية. وذكرت "غرفة العمليات المركزية" في ريف درعا أن "وسائل إعلام النظام تحاول الترويج لانتصارات وهمية في الجنوب السوري، بعد عجزه عن تحقيق أي تقدم عسكري، كما تحاول التعتيم على الخسائر المادية والبشرية في صفوف قواته".
وقالت مصادر محلية إن "مقاتلي المعارضة صدّوا محاولة تقدم جديدة لقوات النظام على محور الدلافة وحران بالريف الشرقي للمحافظة، وقتلوا وأصابوا خمسة على الأقلّ من أفرادها، لكنهم اضطروا للتراجع في بعض المناطق بسبب ضراوة القصف". وأوضحت أن "اشتباكات عنيفة تدور في المنطقة، حيث تحاول الفصائل استعادة بعض المناطق التي خسرتها"، مشيرة إلى أن "طول خط العمليات يبلغ 40 كيلومتراً من قرى سكاكا جنوبا إلى الشومرة في الشمال. وقد حاولت قوات النظام اقتحام مسيكة لكنها لم تنجح في ذلك".
وجاءت محاولة التقدم بالتزامن مع شن طيران النظام غارات عدة على بلدات جدل، والشياح، ومسيكة، وعاسم، والشومرة، وبصر الحرير، والحراك في منطقة اللجاة بريف درعا الشرقي، فيما ألقى الطيران المروحي براميل متفجرة وقصفت قوات النظام بالمدفعية الثقيلة بلدة بصر الحرير. كذلك واصلت قوات النظام قصفها الصاروخي بعد منتصف ليل الجمعة – السبت، على مناطق ناحتة والحراك ودرعا البلد بمدينة درعا، فيما سقطت قذائف أطلقتها الفصائل بعد منتصف الليل على مناطق سيطرة قوات النظام بمدينة درعا، من دون أن تتسبب في خسائر بشرية.
وحسب مصادر عسكرية: "تحاول قوات النظام والمليشيات المساندة لها التقدم من ثلاثة محاور باتجاه مناطق سيطرة فصائل المعارضة في الريف الشرقي لدرعا، من دون إحراز أي تقدم". وأوضحت أن "هذه المحاور هي قرية البستان ومحور كتيبة الدفاع الجوي في حران بالإضافة إلى محور صما الهنيدات"، مشيرة إلى أن "تعزيزات وصلت في الأيام الأخيرة إلى منطقة سكاكا والدورات لمواجهة قوات النظام". وتسعى قوات النظام إلى السيطرة على بلدتي المسيكة وبصر الحرير، الأمر بهدف فصل منطقة اللجاة بشكل كامل عن مناطق الريف الشرقي، وقد يؤدي بعد ذلك إلى سقوطها من دون قتال.
من جهتها، أعلنت "غرفة العمليات المركزية" بدرعا أن "فصائلها استهدفت مواقع قوات النظام والمليشيات في ريف السويداء الغربي، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد منهم. كما قصفت مواقع النظام في بلدة خربة غزالة والسرية الرابعة في مطار الثعلة العسكري وحاجز سكاكا وبلدة الدارة في ريف السويداء، وذلك رداً على العملية العسكرية الكبيرة التي تشنها قوات النظام على المناطق المحررة في محافظة درعا".
من جهة أخرى، طالبت "الغرفة" أهالي محافظة السويداء المجاورة لدرعا بـ"الابتعاد عن مواقع قوات النظام". وذكرت في بيان لها أنها "سوف تستهدف المواقع التي تضم مليشيات إيرانية أينما وجدت"، مشيرة إلى أنها "ستلتزم باتفاقيات جنيف وملحقاتها الأربعة وقانون النزاعات المسلحة ومبادئ وأعراف القانون الدولي".
في سياق متصل، زار وفد روسي محافظة السويداء وبحث مع مشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز مستقبل المحافظة. وحسب شبكة "السويداء 24" فإنه "جرى خلال الزيارة التي تمّت قبل أيام، عقد اجتماع في مبنى محافظة السويداء بين مسؤولين روس وقيادات أمنية عالية المستوى، بحضور مشيخة عقل الدروز ووجهاء من المنطقة". وأوضحت أن "الاجتماع كان لمناقشة الأوضاع الداخلية في السويداء، والجهات المسلحة الفاعلة على الأرض من الفصائل المحلية، إضافة لبحث أوضاع الريف الغربي، إذ تحدث الروس عن وجود منظمات إرهابية في المحافظة، وضمنها حركة رجال الكرامة، وعن الحلول الأمنية الممكن اتخاذها أو عقد المصالحات في المنطقة".
وتصدرت السويداء واجهة الاهتمام في ضوء التطورات الأخيرة في الجنوب السوري بعد التعزيزات التي استقدمتها قوات النظام إلى خط التماس بين المحافظتين، وما رافقها من قصف متبادل وسط اتهامات للنظام بمحاولة خلق فتنة بين المحافظتين.
في غضون ذلك، تفاقمت محنة المدنيين في ضوء تصاعد وتيرة العمليات العسكرية في الجنوب السوري. وقد أعلنت المجالس المحلية مناطقها في بلدات الحراك وناحتة والمليحة الشرقية وفي قرى وتجمعات منطقة اللجاة مناطق منكوبة، نتيجة للحملة العسكرية الشرسة للنظام، فيما تواصلت حركة النزوح إلى مناطق أكثر أمناً على الحدود مع الأردن وريف درعا الغربي وبعض المدن والبلدات في ريف درعا الشرقي.
كذلك أعلن "مجلس محافظة درعا" التابع للمعارضة السورية، أمس السبت، أن "الريف الشرقي للمدنية منطقة منكوبة بالكامل، وذلك نتيجة التصعيد العسكري الكبير من قبل قوات النظام والمليشيات المساندة لها". وجاء في بيان للمجلس أن "القصف الممنهج من قبل عصابات الأسد والمليشيات، على بلدات الريف الشرقي من درعا، أدى إلى حركة نزوح جماعية وتهجير قسري". وطالب المجلس "المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته وإيقاف هذه المحرقة"، مناشداً المنظمات الإنسانية والإغاثية "التدخل السريع لإغاثة المنكوبين".
ويواصل الأهالي النزوح مع وصول عدد الهاربين إلى أكثر من 70 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ، وسط أوضاع معيشية وصحية سيئة. وتركزت حركة النزوح من قرى اللجاة وبصر الحرير والمسيكة وناحتة والحراك والكرك الشرقي والمليحة الشرقية، مع محاولة النظام الضغط على مناطق ريف درعا بالقصف للقبول بالمصالحة والتسليم.
وقد استقبلت كل من قرى وبلدات بصر الشام، وغصم، والجيزة، والمتاعة، والطيبة، وصيدا، والمسيفرة، ومعربة، والسهوة، وكحيل الصورة، ونصيب، وأم المياذن، وخربا، وعلما، وندى، وصماد، والغارية الشرقية، مئات العائلات الآتية من بصر الحرير، ومليحة، والعطش، وناحته، والحراك، والمليحة الشرقية والغربية.
وحسب حديث نائب رئيس مجلس محافظة درعا، عماد البطين، لـ"العربي الجديد"، فإن "عدد سكان المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في درعا حوالي مليون ومائة ألف شخص. وقد بلغ عدد النازحين منذ بداية الأسبوع الحملة الحالية لقوات النظام على المحافظة نحو 80 ألف نازح". وأشار إلى أن "هناك جهوداً لإقامة مخيم بالمنطقة الحرة على الحدود الأردنية، لكنها جهود أفراد ليس أكثر". وأكد أن "مكاتب الطوارئ التي شكّلها المجلس منذ ثلاثة أشهر لم تتلقّ حتى الآن أي دعم، لكن مجلس المحافظة يحاول بالتعاون مع المجالس المحلية إيجاد منازل للمهجرين".
وعلى الصعيد الدولي، قال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، إن "الأمين العام أنطونيو غوتيريس دعا إلى وقف فوري للتصعيد العسكري في جنوب غربي سورية". وأضاف في بيان أن "الهجمات في جنوب البلاد أسفرت عن تشريد آلاف المدنيين الذين يتجه أغلبهم صوب الحدود الأردنية، ويشعر الأمين العام بقلق من المخاطر الكبيرة التي تشكلها تلك الهجمات على أمن المنطقة". وأكد "هشاشة وضع المدنيين في الجنوب السوري، وحثّ المعنيين على احترام التزاماتهم بموجب القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، وحماية المدنيين والبنى التحتية المدنية".
من جهتها، دعت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية فيديريكا موغيريني إلى "وقف التصعيد في الجنوب السوري الذي يشكّل تهديداً على سلامة المدنيين"، فيما اتهمت المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي النظام السوري بـ"خرق الهدنة في منطقة وقف التصعيد جنوب غربي سورية".
وأعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أن "بلاده تقوم باتصالات مكثفة، من أجل الحفاظ على اتفاق خفض التصعيد في الجنوب السوري". وقال الوزير الأردني عبر حسابه الرسمي على موقع "تويتر" إن "الأردن يجري اتصالات مكثفة مع شريكيه في اتفاق خفض التصعيد في الجنوب السوري، الولايات المتحدة وروسيا، بهدف الحفاظ على الاتفاق ووقف إطلاق النار الذي تم بموجبه".