المؤشرات الأولية للحركة الاتهامية النشطة والمتبادلة بين الأردنيين تنذر بأن المستقبل القريب سيشهد نمطاً متخلفاً في تصنيف الأفراد والتجمعات البشرية، والقوى الحزبية والسياسية، والتوجهات الفكرية، على مقياس التطرف الذي طور كل شخص أو تجمع متشابه محدداته الخاصة لقياسه، والتي تتناسب بالضرورة مع توجهاته وقناعاته، وتعبّر بشكل صارخ عن رفض المختلفين.
التوسع والاستسهال في تبادل تهمة "الداعشية" يَشِي أن أياً من الأردنيين لم يسلم منها، وهو ما يجعل الانتقال إلى نمط التصنيف القائم على نفي التهمة أكثر سهولة من القائم على إثباتها، ضمن صورة نمطية أصبحت تقارب بين الأردن أو أجزاء منه أو مكوناً فيه وبين الرقة.
يخوض العلمانيون والتنويريون معركة لتعديل وتطوير المناهج الدراسية لتطهيرها من التطرف الديني وخطاب الكراهية، متهمين المناهج بـ"الداعشية"، وكل المدافعين عن المناهج من منطلق ديني بـ"الدواعش". في المقابل يرد المدافعون عن المناهج التهمة على العلمانيين فيصفونهم بـ"دواعش العلمانية" لتعصبهم المطلق لفكرتهم ورفعها إلى مستوى النزاهة ووضعها فوق النقد.
الخلاف "المدعشن" حول المناهج بين العلمانيين والتنويريين مع المتدينين، تحول إلى معركة ضروس تستخدم فيها أبشع العبارات، ويتخللها تحريض متبادل على القتل أو الإعدام أو أقله السجن.
تتوسع الشرائح التي تطاولها تهمة "الدعشنة"، فتشمل القطاعات السياسية. ليس مستغرباً اليوم أن حزباً سياسياً مرخصاً يُتهم في العلن، على لسان مسؤولين سابقين في الدولة وحاليين، وأحياناً من أحزاب منافسة، بأنه حزب "داعشي"، ويرد الحزب التهمة على متهميه بأنّ الفكر "الداعشي" يعشش في عقولهم المبرمجة على إقصاء المنافسين.
وعليه صنّف الداعية الإسلامي أمجد قورشة، الموقوف بأمر من محكمة أمن الدولة (عسكرية) لانتقاده التحالف الدولي لمواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية"، بأنه "داعشي"، في تصنيف شمل مؤيديه. كذلك صنف الكاتب ناهض حتر الموقوف لإعادة نشره كاريكاتير ساخراً "داعشياً" وكذلك المتعاطفون معه، ويتواصل قتال "الداعشين" مع "الداعشين" على إثبات الداعشية.
عند إقرار قانون منع الإرهاب تعالت الأصوات التي تعارض التوسع في تعريف مصطلح الإرهاب وإمكانية تكيّف جرائم مختلف عليها كجريمة إرهابية، لكن القانون يبدو اليوم انعكاساً لثقافة سائدة تستسهل توزيع التهم في تصفية حساباتها.