ولم يمض يوم على انتهاء الاجتماعات حتى أعلن كبير المفاوضين في وفد المعارضة السورية، محمد علوش، مساء أمس الأحد، استقالته من منصبه، إذ قال في تغريدة نشرها في حسابه الرسمي على "تويتر" إنه: "تقدم أول من أمس باستقالته من منصب كبير مفاوضي المعارضة إلى الهيئة العليا للمفاوضات".
وأصدر علوش بياناً أوضح فيه الأسباب التي دفعته إلى الاستقالة بالقول إنّ "الجولات الثلاث للمفاوضات التي جرت في جنيف لم تكن ناجحة، بسبب تعنت النظام السوري، واستمراره بالقصف، وعدم قدرة المجتمع الدولي على تنفيذ قراراته، ولا سيما في ما يتعلق بالجانب الإنساني لجهة فك الحصار وإيصال المساعدات إلى المناطق المحاصرة". كما لفت علوش إلى أن الاستقالة جاءت احتجاجاً على المجتمع الدولي، "لعله يشعر بأهمية دماء السوريين المهدورة على يد النظام السوري وحلفائه"، داعياً في نهاية بيانه فصائل الجيش السوري الحر وباقي الفصائل الثورية والكيانات السياسية إلى توحيد الصفوف لتحقيق النصر، بحسب بيانه.
وعقب استقالة علوش، هاجم رئيس الوفد التفاوضي المنبثق عن المعارضة السورية، أسعد الزعبي، أداء المجتمع الدولي حيال الملف السوري، بقوله في سلسلة تغريدات على موقع "توتير"، "لا بارك الله في المفاوضات إذا كنا نذهب إلى جنيف فقط لننتظر كيف سيقتل شعبنا، أو لنستجدي مجلس الأمن من أجل إدخال سلة غذائية إلى داريا". وأضاف: "في الجولة الأولى من المفاوضات كان لدينا 6 مناطق محاصرة أما اليوم فلدينا 18منطقة. وكان لدينا 200 حالة وفاة بالجوع أما اليوم فلدينا 400، فأين المجتمع الدولي؟". واعتبر الزعبي أن "أميركا بدأت تكشف عن أنيابها بشكل واضح ومجلس الأمن بدأ يشيح بوجهه عن قراراته التي أصدرها"، على حد وصفه. ومما قاله أيضاً: "أميركا تريد أن تحقق مكاسبها ومآربها في شرق سورية، وروسيا تريد أن تحقق مكاسبها على الساحل السوري".
وكانت المعارضة السورية قد جددت مطالبتها المجتمع الدولي بالضغط على نظام الرئيس السوري بشار الأسد لتنفيذ مقررات أممية تخص المسار الإنساني، قبل الدعوة إلى جولة رابعة من التفاوض، مشيرة إلى أنها بصدد إصدار وثيقة حلّ سياسي، وانفتاح على القوى السياسية، في إشارة واضحة إلى نيّتها توسيع وفدها المفاوض ورفده بشخصيات جديدة. وقالت "الهيئة"، في بيان صدر عقب اجتماعات الرياض، إنها "ناقشت مستقبل العملية السياسية، وفرص العودة إلى طاولة المفاوضات في جنيف"، مؤكدة أنها لن تعود إلى التفاوض مع النظام، إلّا بعد تحقيق البنود الإنسانية 12 و13 و14 من قرار مجلس الأمن 2254.
وطالبت الهيئة العليا، التي تضم أعضاء يمثلون الفصائل العسكرية، بتشكيل "لجنة أممية" للاطلاع على حقيقة الوضع في سجون النظام، "على ضوء تقارير المنظمات الحقوقية الدولية حول الظروف الصعبة للمعتقلين في سجون النظام، وما يرشح من شهادات وصور مروعة حول مقتل عشرات الآلاف، وانتهاك مبادئ الكرامة الإنسانية والقرارات الأممية في حق من تبقّى من المعتقلين". ودعت إلى "تبني مبادرة تضمن الإفراج عن المعتقلين وفق جدول زمني يتم الاتفاق عليه، كضرورة ملحّة لإطلاق عملية سياسية جادة"، وفق نص البيان.
وأكدت الهيئة في بيانها استمرارها في "دعم الجهود الدولية المخلصة للدفع بالحل السياسي"، وتوجهها نحو إصدار وثيقة تتضمن صيغة شاملة للحل السياسي وفق بيان جنيف. كما أكدت أنها "تبنت مجموعة مبادرات تهدف إلى توثيق الصلة مع كافة فئات المجتمع السوري وتحقيق الانفتاح على مختلف القوى السياسية والمجتمعية". وأشارت إلى أنه "تم الاتفاق على تشكيل لجان للتواصل مع مختلف المكونات السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وتعزيز دور المؤسسات الإعلامية ومراكز الفكر السورية للاستفادة من خبراتها، ورفد جهود الهيئة بالمادة العلمية، وعقد الندوات والمؤتمرات الداعمة لأنشطتها".
وعلّقت المعارضة السورية مشاركتها في مفاوضات جنيف 3 في 18 أبريل/نيسان الماضي، احتجاجاً على خروق النظام وحلفائه اتفاق "وقف الأعمال العدائية"، وعدم تحقيق تقدم جدي في المسار الإنساني. وتشكّل هذه القضايا العقبة الرئيسية أمام العودة إلى طاولة التفاوض في جنيف، إذ لم يفرج النظام عن معتقلين، بل لا يكاد يمر يوم من دون ورود أنباء عن مقتل عدد منهم تحت التعذيب، وما يجري في سجن حماة المركزي، أخيراً، دليل على أن قتل السوريين تحت التعذيب أسلوب لم يتوقف عنه النظام، على الرغم من مناشدات منظمات دولية لردع النظام عن الاستمرار في قتل المعتقلين.
كما لم يتم تحريك ملف إدخال المساعدات الإنسانية لمئات آلاف المدنيين المحاصرين بالشكل الكافي، إذ حذّرت جهات أممية من حدوث مجاعة في بعض المناطق إذا لم يتم إجبار النظام على تسهيل دخول المساعدات إليها، خصوصاً في ريفَي دمشق وحمص. واتهم وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في مجلس الأمن الدولي، ستيفن أوبراين، يوم الجمعة الماضي، نظام الأسد بتعطيل المساعي الأممية لإيصال المساعدات لـ21 منطقة محاصرة من أصل 35. وأضاف أوبراين، في كلمة له أمام مجلس الأمن، أن النظام لم يوافق إلا على الدخول بشكل كامل لـ14 منطقة، وعلى الدخول الجزئي لثماني مناطق أخرى، مشيراً إلى مواصلة الاستيلاء على إمدادات طبية هامة من قوافل المساعدات.
وقبل استقالة علوش، لم يتردد مراقبون في القول إن المعارضة السورية اعتمدت "لغة هادئة" بالبيان الذي أصدرته، السبت، للتأكيد على أنّ الحل السياسي للقضية السورية خيارها الذي يواجَه من قبل النظام بخيار الحسم العسكري، إذ تشير المعطيات إلى أنّ النظام ماضٍ به، وغير مكترث للجهود التي يبذلها المجتمع الدولي للإسراع في إيجاد حل سياسي، والشروع في مرحلة انتقالية تحاول واشنطن أن تبدأ في شهر أغسطس/آب المقبل.
وحول الوثيقة التي تعمل عليها المعارضة وفق بيان جنيف، يرفض المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا للتفاوض، رياض نعسان آغا، الغوص في تفاصيلها، مكتفياً بالقول "هناك رؤية وضعتها الهيئة، سنعلن عنها حين ينتهي النقاش فيها". ورداً على سؤال يتعلق باهتمام المجتمع الدولي بتوفير "بيئة آمنة" للتفاوض، كما طالبت الهيئة، يقول نعسان آغا لـ"العربي الجديد"، "أصدقاؤنا يحاولون توفير هذه البيئة".
ويكشف مصدر مطلع لـ"العربي الجديد" عن أن الوثيقة التي ستصدرها الهيئة تتضمن رؤية للحل السياسي، مبنيّة على الخطة التي تقدّم بها المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، والأسئلة التي تقدم بها إلى وفدَي المعارضة والنظام، والتي تتطلب أجوبة حول المستقبل السياسي لسورية في المرحلة الانتقالية. ويشير إلى أن الهيئة تبذل جهداً للخروج بوثيقة تلبي أهداف الثورة، وتقدم "رؤى لحلول إبداعية"، مشدداً على أن مصير الأسد "مسألة محسومة لا تقبل الجدل، وهي غير قابلة للتفاوض". ويعتبر أن الروس "أكثر ليونة" في مناقشة مصير الأسد من الإيرانيين الذين يصرون على بقائه، لأنهم يرونه الضمانة لمصالحهم في سورية ولبنان، وفقاً للمصدر.
ويرى المصدر ذاته أن ما تطرحه بعض القوى الدولية من حلول "ترقيعية لن تصمد طويلاً، كونها لم تلب الحد الأدنى لمطالب السوريين الذين قتل واعتقل وشرد الأسد الملايين منهم، ولن يقبلوا بحلول جزئية تكافئ قاتلهم". وأقر المصدر أن الأسد لن يتنازل عن السلطة في مفاوضات جنيف، مضيفاً أنّه "لو كانت هناك إرادة دولية لإيجاد حل، فالأمر لا يتطلب أكثر من اجتماع لمدة نصف ساعة".
ويشير مصدر في "الهيئة العليا للتفاوض" إلى أن هناك ضغوطاً كبيرة من قبل أطراف دولية وإقليمية تمارس على "الهيئة"، لافتاً إلى أن "الخيارات أمامنا محدودة نسبياً"، ومؤكداً أن الهيئة لا ترفض إشراك شخصيات معارضة من منصّات سياسية أخرى، "ما دامت تشترك معنا في الأهداف". ويضيف لـ"العربي الجديد": "لسنا بصدد احتكار تمثيل الثورة السورية، بل نحن منفتحون على كل التيارات الأخرى، ما دامت تجمعنا رؤى واحدة، وتطلعات مشتركة تعتمد أهداف الثورة مرجعية أساسية لها".