وعلى الرغم من صدور بيان صريح من وزارة الداخلية، ممثلة في مصلحة السجون، ينفي أن يكون من بين المستفيدين بالعفو أي من الشباب والناشطين المدانين في قضايا التظاهر، إلاّ أن أفراد المجموعة المسماة "شباب الإعلاميين"، المقربين من الدائرة المخابراتية-الرقابية التي شكلها السيسي لإدارة المشهد السياسي في مصر، حاولوا سرقة الأضواء واجتذاب المديح بقولهم إن هناك عدداً من الشباب والفتيات المدانين في قضايا تظاهر قد استفادوا من العفو الأخير.
إلاّ أن مصادر حقوقية (محامين وناشطين) تؤكد لـ"العربي الجديد" أنه لم يتم الإفراج عن أي شخص من القوائم التي أعدها المجلس القومي لحقوق الإنسان (وعدد المقيدين فيها 450) أو القوائم التي أعدتها مجموعة "الحرية للجدعان" والتي يناهز عدد المقيدين فيها الألف من الحالات الصحية الحرجة، والفتيات، والسيدات العائلات، والشباب الجامعي، بالإضافة إلى الناشطين المشاهير من الإخوان أو 6 أبريل أو المستقلين اليساريين.
وعلى مدار عامين من التعهدات ودخول مجموعة "شباب الإعلاميين" على خط ترشيح الأسماء المستفيدة من العفو، أصدر السيسي قرارين اثنين فقط حددا أسماء نحو 160 من الشبان والفتيات المتهمين في قضايا تظاهر أو ذات خلفية سياسية على مستوى الجمهورية، كان أبرزهم المتهمين في قضية التظاهر في محيط قصر الاتحادية (سناء سيف ويارا سلام وآخرين). ويضاف إليهم المتهمون المصريون في القضية المعروفة إعلامياً بـ"خلية ماريوت" وعدد من المتهمين في قضايا تظاهر بكفر الشيخ والإسكندرية وجامعة الأزهر وأحداث متفرقة شهدتها العاصمة عامي 2013 و2014، وكان معظم المستفيدين من العفو يتبقى لهم أقل من ثلث المدة في السجن.
وبحسب مصادر أمنية في وزارة الداخلية فإن "مصلحة الأمن العام كانت قد اعترضت في المرات السابقة على استفادة أي من الإخوان أو المعارضين من قرارات العفو الروتينية التي يصدرها السيسي بمناسبة الأعياد الرسمية والتي يستفيد منها في الغالب السجناء الجنائيون في القضايا العادية والغارمون والغارمات، وذلك استناداً إلى أن جميع الناشطين الذين تم العفو عنهم في القرارين المذكورين سلفاً لم يؤدوا أي دور في تخفيف الضغوط السياسية الخارجية أو الداخلية على السلطة، بل إن بعضهم تمادى في معارضته للنظام".
إلا أن المصادر نفسها تؤكد أن "مصلحة الأمن العام لم تمانع هذه المرة من العفو عن أي متهمين في قضايا التظاهر، ذلك لأن الرئاسة لم ترسل من الأصل أية قوائم إلى المصلحة بالأسماء المقترحة". وتشير إلى أن "السيسي، في الغالب، عندما تحدث عن خروج عدد من الناشطين والمشاهير من السجون كان يقصد خروج بعضهم بقرارات قضائية من السجون من خلال إخلاء سبيلهم، كما حدث مع عدد من المتهمين في قضايا التظاهرات المنددة باتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية".
في غضون ذلك، يسود في الأوساط الحقوقية والمعارضة، اتجاهان متقابلان. الأول يتفاءل بالعفو قريباً عن بعض الشباب استجابة لضغوط خارجية صريحة تمارسها دول أوروبية. ويرجح أصحاب هذا الاعتقاد أن يتم ذلك قبيل سفر السيسي إلى نيويورك نهاية شهر سبتمبر/أيلول الحالي لحضور اجتماعات الأمم المتحدة كمحاولة، مفترضة، لتحسين صورة النظام الذي أصبح معروفاً عالمياً بمعاداته للحريات وتضييقه للمجال العام. ويعتمد المتفائلون على معلومات ترددها شخصيات دبلوماسية أجنبية تعمل في مصر.
أما الاتجاه الثاني فيسيطر على أصحابه التشاؤم من تعليق الأمل على تعهدات السيسي. ويرى هؤلاء أن تصرفات النظام الحاكم في مصر أقرب إلى التنكيل بالمعارضين منها إلى المصالحة أو حتى التفاهم، بدليل أن هناك من بين المتهمين في قضايا التظاهر من تنطبق عليه بالفعل الشروط المذكورة في قرارات العفو الرئاسي الصادرة في المناسبات، وآخرها قرار السبت الماضي، لكن لم يتم الإفراج عنهم لأن اللجنة المشكلة من وزارة الداخلية لفحص السجناء تستبعد المدانين في قضايا التظاهر باعتبارها من جرائم أمن الدولة، وباعتبار هؤلاء السجناء ليسوا حسني السير والسلوك داخل السجن.
وتبحث حالياً بعض المجموعات الحقوقية من أصحاب الاتجاه الثاني إمكانية اللجوء لمحكمة القضاء الإداري للطعن على القرارات السلبية لوزارة الداخلية بعدم اختيار الناشطين والشباب الذين يستوفون شروط العفو ضمن قوائم المستفيدين منه. وسبق أن نظرت المحاكم هذا النوع من الدعاوى في مرات عدة، وصدرت أحكام لصالح من استوفوا الشروط في عدد من الدعاوى في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.
وبعيداً عن خيبة الأمل التي اكتسى بها عيد أسر آلاف الشباب المحبوسين في قضايا التظاهر، يرى مراقبون أن السيسي بإصراره على مواقفه السلبية في ملف الحريات، واستمرار حبس شباب لا ذنب لهم إلا الخروج للتعبير عن آرائهم ومحاكمتهم بقوانين قديمة كقانون التجمهر الصادر في عهد الاحتلال البريطاني، يؤكد للمعارضين أن "لا شيء يمنعه من التنكيل بهم، حتى الضغوط الخارجية".
ويربط مراقبون محليون بين إغلاق السيسي مجال العفو الرئاسي أمام سجناء التظاهر وبين مشروع القانون الأخير الذي أقرته حكومته لاستمرار التحفظ على أموال جماعة الإخوان بل وتوسيع إمكانية التحفظ لتشمل أي جماعة تصدر أحكام من محكمة الأمور المستعجلة التي تسيطر عليها وزارة العدل باعتبار جماعة ما إرهابية. علماً بأن يوجد أحكام قائمة باعتبار حركة 6 أبريل إرهابية (معظم قياداتها مسجونون في قضايا تظاهر)، والأمر نفسه بالنسبة لمجموعات الألتراس على الرغم من أن نشاطهم مقتصر على تشجيع أندية كرة القدم.
ويرى مراقبون أن هذين الحدثين الأخيرين يشكلان مع قضيتي مقتل الطالب الإيطالي في مصر جوليو ريجيني، والتمويل الأجنبي للمنظمات الحقوقية، فضلاً عن تلفيق القضايا لشباب الإخوان المتبقين في مصر، واستمرار إحالة المدنيين للقضاء العسكري، وتراخي القضاء في إلغاء الأحكام الباطلة، قيوداً غير مسبوقة على الحريات والحقوق الشخصية والتنظيمية في مصر. كما يعتبر مراقبون أن "التمادي في ذلك يدل على أن السيسي ضاق ذرعاً بالضغوط الخارجية للحد الذي بات يدفعه لعدم الاكتراث بها، والاكتفاء بمهادنة القوى الأوروبية بفتح الباب لمصالحهم الاقتصادية والترويج لدوره المزعوم في التصدي للهجرة غير الشرعية من جنوب المتوسط"، على حد وصفهم.
وترجح مصادر دبلوماسية مصرية أن يكون تمادي السيسي في التضييق على الحقوق والحريات "نتيجة لعدم حصوله على الثناء الذي كان يتوقعه من الولايات المتحدة وأوروبا في أعقاب قراري العفو الاستثنائيين اللذين أصدرهما العام الماضي قبل حضوره اجتماعات الأمم المتحدة، بالإضافة إلى تعرضه لانتقادات حادة هذا العام على خلفية قضيتي ريجيني، والتمويل الأجنبي، ما قد يكون أشعره بأن أي جهود إيجابية في الداخل لن تقابل بالثناء في الخارج".
وتقول المصادر نفسها إن "الأمر معقد لأنه يتعلق بنظام يعرف كيف يقيمه الآخرون بالسلب، ويخشى تخفيف القيود في الداخل ظناً بأن ذلك قد يؤدي لنفس مصير مبارك". وتضيف المصادر "السماح بالتظاهرات واحتلال الشارع جزئياً كما كان يحدث منذ عام 2005 كان البداية الحقيقية لثورة يناير، لذلك نجد أن النظام عاد ليستخدم قوانين عفا عليها الزمن كقانون التجمهر، ونجده يماطل في تعديل قانون التظاهر. كل ذلك للضرب على يد من يفكرون في إعادة الكرّة".
وترى المصادر أن "تشدد السيسي الآن مع الحريات العامة قد يكون جزءاً من خطة شخصية للترويج لترشحه لفترة رئاسة ثانية، وتقضي بأن يمر العام الحالي على أن يبدأ في منتصف العام المقبل باتخاذ بعض الإجراءات التصحيحية لإحداث انفراجة ملحوظة تشعر بها القوى الغربية كجزء من عملية التسويق وادعاء تطور سياساته، خصوصاً أنه يعرف أن هناك دوائر معتبرة إقليمية ودولية ترفض استمرار الوضع الحالي في مصر بهذا الإقصاء الكامل للمعارضة".