انتعشت آمال الأفغان مرة أخرى بشأن المصالحة الوطنية، بعد انطلاق مؤتمر الدوحة، السبت الماضي، والذي شاركت فيه 45 شخصية أفغانية، من بينها ممثلون عن حركة "طالبان" وأعضاء مجلس الأمن الأفغاني، إضافة إلى ممثلي "الحزب الإسلامي" الذي يقوده قلب الدين حكمتيار، أحد المعارضين للوجود الأجنبي في أفغانستان، وقيادات عسكرية وسياسية بارزة.
اقرأ أيضاً طالبان أفغانستان: لا اجتماع مع وفد الحكومة الأفغانية بالدوحة
ويهدف المؤتمر إلى تبادل وجهات النظر بشأن المعضلة الأمنية الأفغانية، التي دامت عقوداً، وتحصد أرواح الأفغان بصورة يومية ومتواصلة، كما تلقي بظلالها القاتمة على مجمل أوضاع المنطقة، وهو ما أدركته دول المنطقة بلا استثناء، لذا دخل بعضها على خط المساعي الرامية إلى احتواء الأزمة، وفي مقدمتها الصين وباكستان.
لكن من خلال مراقبة سير الأحداث الميدانية الأخيرة في أفغانستان، والاطلاع على مواقف الأطراف المعنية، يتبين أن انطلاق عملية الحوار الشاملة لجميع أطراف الصراع، ما يزال بعيد المنال. إذ إنّ حركة "طالبان" أضحت متمسكة بموقفها الرافض لعملية الحوار مع الحكومة الأفغانية في ظل وجود القوات الأميركية والأجنبية في أفغانستان، بالرغم من مشاركة ممثيلها في جلسات الحوار التي انعقدت في الدوحة على مدى يومي 2 و3 من الشهر الحالي، وهو ما أوضحه المتحدث باسم المكتب السياسي لـ"طالبان" في الدوحة، محمد نعيم، لـ"العربي الجديد" قائلاً إن ممثلي الحركة لا يشاركون في المؤتمر بهدف المفاضات مع أية جهة، بل لإسماع المجتمع الدولي رؤية "طالبان" وشروطها إزاء المصالحة الأفغانية.
ولفت كل من نعيم، والمتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد، تعليقاً على مؤتمر الدوحة، إلى أن الحركة لن تتفاوض مع الحكومة الأفغانية إلا بعد إنهاء الاحتلال الأميركي لأفغانستان، ما يشير إلى أن المؤتمر سيكون محاولة لتقريب وجهات النظر، فيما يستبعد أن يكون أساس انطلاق عملية حوار شاملة لجميع أطياف الصراع الأفغاني، يهدف إلى حلحلة الأزمة نهائياً.
وكانت آمال الأفغان بشأن الحوار بين الحكومة الأفغانية وحركة "طالبان" قد خابت يوم أعلنت الأخيرة عملية الربيع المسماة بعملية "العزم" ضد القوات الأفغانية والدولية، والتي اندلعت، مع انطلاقها الأسبوع الماضي، معارك طاحنة بين الطرفين أدت إلى مقتل المئات، بينهم مسلحون وجنود للجيش وعامة المواطنين. وركزت عملية "طالبان" على شمال أفغانستان، وبالتحديد إقليم قندوز الحدودي مع دول آسيا الوسطى، حيث تمكن المسلحون من السيطرة على بعض مناطق الإقليم ومحاصرة عاصمة الإقليم، ولكنهم سرعان ما انسحبوا منها بعض وصول تعزيزات الجيش الجديدة إليها.
وفي هذا الشأن، يؤكد مصدر ميداني في "طالبان"، فضل عدم نشر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أنّ قيادة الحركة قررت عدم التفاوض نهائياً مع الحكومة الأفغانية التي جاءت نتيجة الاحتلال الأميركي، إلا بعد إنهاء الاحتلال وانسحاب القوات الأجنبية جميعاً، لذا وضعت استراتيجية حرب موسعة ضد الحكومة الأفغانية والقوات الدولية، بهدف السيطرة على بعض المناطق في شمال البلاد، ليتخذ مسلّحوها قواعد لهم، في الفترة المقبلة، وخصوصاً أن الضغوط من قبل بعض دول المنطقة تتزايد على قيادة الحركة، إزاء المصالحة مع حكومة كابول.
يأس الحكومة الأفغانية
بدورها، أعلنت الحكومة الأفغانية، على لسان المتحدث باسمها أجمل عابدي، أن مؤتمر الدوحة لا يعني المفاوضات بينها وبين "طالبان"، وأن الحكومة لن تتوقع الكثير منها، إنما تعتبرها خطوة لمناقشة القضايا التي تتعلق بملف المصالحة الأفغانية، ومحاولة لمعرفة وجهات النظر. وأشارت تسريبات صحافية إلى أن حكومة محمد أشرف غني التي كانت تعول كثيراً خلال الأشهر الماضية على ملف المصالحة مع "طالبان" بدأت تيأس، وباتت تهتم بتقوية قواتها لمواجهة زحف "طالبان"، والخيارات البديلة. وفي هذا الإطار تأتي تصريحات أشرف غني التي جاء فيها "إننا نعمل بكل جد لإنجاح المصالحة الأفغانية، ولكننا مستعدون لمواجهة كل من يعبث بأمننا وسيادتنا الوطنية".
وأضافت التسريبات التي أوردتها بعض المنابر الإعلامية الأفغانية أن الرئس الأفغاني وكبار المسؤولين في الحكومة والجيش أعربوا عن خيبة أملهم خلال جلسة أمنية إزاء عدم تجاوب "طالبان" مع عملية المصالحة، وتعاون باكستان في هذا الشأن. وفي الجلسة التي عقدت في نهاية الشهر الماضي، برئاسة أشرف غني، نوقش بالتفصيل موقف "طالبان" بشأن الحوار، وتعاون إسلام آباد مع كابول في هذا الشأن، وأكدت الجلسة أن الجهود المبذولة في هذا الصدد شبه فاشلة، ولا يتوقع الكثير منها في الوقت الراهن، بالتالي تم التركيز على الخيارات البديلة مع استمرار تلك الجهود.
استياء أفغاني
ورغم أن حركة "طالبان أفغانستان" تفاوضت مع الولايات المتحدة في الفترة السابقة عبر مكتبها في الدوحة، وأرسلت وفودها إلى إيران والصين وباكستان، إلا أنها ترفض المفاوضات المباشرة مع الحكومة الأفغانية، معتبرة إياها حكومة عميلة، أتت نتجية الاحتلال الأميركي لأفغانستان، رغم أنه لا غنى عن الحوار المباشر، باعتراف الأطراف المتخاصمة أيضاً، لإخراج البلاد من المأزق الأمني.
ويخشى أن يؤدي موقف "طالبان" الرافض مطلقاً لعملية السلام، إلى تدهور شعبية الحركة المسلّحة، والتي انخفضت أصلاً في الأشهر الأخيرة، مع بدء تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) التغلل في أفغانستان، وإثر تطورات محلية أخرى، في مقدّمتها ادعاء الرئيس الباكستاني الأسبق برويز مشرف أن باكستان موّلت "طالبان أفغانستان" بعد الاحتلال الأميركي لتقف في وجه حكومة حامد قرضاي التي كانت تحظى بعلاقات ودية مع الهند، المنافسة لباكستان. ولم تعلّق "طالبان" على تصريحات مشرف، ما أثار تساؤلات عديدة.
من جهة ثانية، تواجه حركة "طالبان" ضغوطاً متزايدة وفق مصادر في الجماعات المسلحة من قبل بعض الدول المجاورة، من بينها الصين وباكستان، للعودة إلى الحوار مع الحكومة.
وكانت المتحدثة باسم الخارجية الباكستانية، تسنيم أسلم، قد أعربت عن استيائها الشديد إزاء إعلان الحركة عملية الربيع ضدّ الحكومة الأفغانية والقوات الدولية، وأكدت تسنيم أن باكستان ما تزال تعمل على تشجيع "طالبان" على ترك العمل المسلح والعودة إلى عملية السلام مع الحكومة. ولكن المراقبين يرون أن باكستان تضغط على "طالبان" بحذر شديد، وخصوصاً أن الحركة تقرّبت من طهران أخيراً، عبر إرسال بعض وفودها إليها، وبالتالي هناك خشية من احتضان طهران للحركة.
كما أدى الحوار مع الحكومة الأفغانية إلى نشوب خلافات داخلية بين قيادات "طالبان"، إذ تحدثت وسائل إعلامية عن الخلافات بين قياديين بارزين في الحركة بشأن الحوار مع الحكومة الأفغانية، هما القائد أختر محمد منصور الذي يتزعم اللجنة السياسية في الحركة، وهو أحد المقربين من زعيم "طالبان" الملا عمر، والملا عبدالقيوم ذاكر، الذي كان يتزعم اللجنة العسكرية في الحركة سابقاً، لكنه استقال من منصبه بسبب خلافاته مع القيادة. ولا يزال الأخير يتمتع بنفوذ واسع في الحركة، وفي اللجنة العسكرية على وجه الخصوص، ويُعتبر في أوساط "طالبان" وزير دفاع الحركة. لذا يرى مراقبون أن الخلاف بين القياديَين هو خلاف بين اللجنتين السياسية والعسكرية. ولكن يبدو أن الخلافات قد تفندت بعد إصرار الحركة على رفض الحوار مع الحكومة في ظل الوجود الأجنبي في أفغانستان.
وفي الخلاصة، فإن تعثر عملية السلام لا يصب في مصلحة الشعب الأفغاني، وخصوصاً بعد ظهور خطر "داعش" في المنطقة، كما سيترك آثاراً سلبية على العلاقات بين كابول وإسلام آباد، التي تحسنت في الآونة الأخيرة وبصورة غير مسبوقة، إذ إن تعاون إسلام آباد في إنجاح المصالحة الأفغانية، وإقناع "طالبان" بالعودة إلى عملية الحوار، كانا أساس العلاقات الجديدة بين كابول وإسلام آباد.
ومع رفض "طالبان" التفاوض مع الحكومة، فإن العلاقة الأفغانية الباكستانية ستتأثر، إلا إذا تصدّت إسلام آباد لقيادات "طالبان" المناوئة لعملية السلام، أو ساعدت كابول في القضاء عليهم وعلى قوتهم العسكرية، وهو أمر لا يمكن وقوعه في الوقت الراهن.
اقرأ أيضاً أفغانستان: مواجهات بين "طالبان" والقبائل.. وعملية انتحارية تستهدف الأمن